الوحدة – تمام ضاهر
أكد الخبير الاقتصادي ومدير معهد الإدارة في جامعة اللاذقية الدكتور عبد الله أوبان في تصريح خاص للوحدة أن الحكومة السورية ورغم الإمكانات المحدودة والتحديات الهائلة، تمكّنت خلال عامها الأول منذ التحرير من وضع لبنات أساسية في مسيرة الإصلاح الطويلة، مشيراً إلى أن أول الغيث كان استعادة سوريا لمكانتها الطبيعية بين الأمم، وإقفال صفحة العقوبات الى الأبد والعودة إلى النظام المصرفي العالمي.
ولفت الدكتور أوبان إلى أن الحكومة السورية بدأت بإصلاحات قضائية، تبعتها بإصلاح النظام التعليمي، وعملت أيضاً على إعادة الحياة لقطاع صحي منهك، وأنها أطلقت مشاريع لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، واعتبر أن النجاح في تعزيز هذه الإنجازات مرهون بتذليل العقبات المالية واللوجستية، وتعزيز التعاون الدولي لتحقيق التعافي الشامل.
ولفت د. أوبان إلى أن الحكومة تمكنت على الصعيد الاقتصادي من تحسين سعر الصرف، حيث شهدنا دخول العديد من السلع والبضائع، وإقامة معارض دولية، وانخفاضاً للأسعار بالتوازي مع زيادة الدخل، وأنه ما يزال في جعبة الحكومة المزيد.
وأشار الدكتور أوبان إلى أن قطاع المصارف الذي شهد عودة النظام المصرفي السوري إلى شبكة SWIFT الدولية حقق إنجازاً رئيسياً وملموساً بدوره، حيث تمت إعادة الربط بالنظام المالي العالمي، وذلك بعد انقطاع دام 14 عاماً، واعتبر أن هذا الأمر من شأنه تسهيل تحويل رؤوس الأموال إلى المستثمرين، واستقبال الحوالات المالية من الخارج، وكذلك المساعدة في استعادة الأموال المجمدة في الخارج.
وعلى صعيد الدبلوماسية وملف العقوبات أوضح الدكتور أوبان أن العام الأول من التحرير شهد حدوث تطورات ملحوظة، فقد عرفت العلاقات الدولية عقد لقاءات دبلوماسية رفيعة المستوى مع العديد من الدول (ألمانيا، المملكة العربية السعودية، قطر، تركيا، الأمم المتحدة وغيرهم)، وأن أبرزها كان استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسيد الرئيس أحمد الشرع في البيت الأبيض، وهي زيارةٌ تعدُّ الأولى من نوعها منذ أكثر من ٦٠ عاماً، وأنه تم أيضاً وقف العمل بـ”قانون قيصر” من قبل وزارة الخزانة الأمريكية.
ونوه إلى أن السلطات السورية في عامها الأول أعلنت عن استثمارات أبرمتها بموجب مذكرات تفاهم وعقود مع مستثمرين أجانب بقيمة تتجاوز 14 مليار دولار لمشاريع في البنية التحتية والطاقة، وأن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بنحو 400 مليار دولار، وأضاف أنه على الرغم من محدودية الموارد ووجود حقول نفط حيوية خارج سيطرة الدولة، إلى جانب التضخم في أسعار مواد البناء نتيجة انهيار العملة المحلية ما قبل التحرير، إضافة إلى نقص الكوادر المؤهلة نتيجة الهجرة، فقد تمكنت الدولة رغم كل ذلك من إطلاق مشاريع سكنية أولية، وتحسين الخدمات الأساسية مع تخصيص ميزانيات لمشاريع البنية التحتية في عدة محافظات.
وأوضح أن الجهود الحكومية تركزت أيضاً على إعادة تأهيل شبكات الطرق والمواصلات بعد تضرر 60% من شبكات الطرق والجسور خلال سنوات الحرب مؤكداً العمل على تشغيل بعض محطات الكهرباء رغم أن عدد محطات تحويل الكهرباء المدمرة بلغ 59 محطة، وكذلك الأمر بالنسبة لتحسين خدمات المياه والصرف الصحي على الرغم من أن التدمير كان قد طال 50% من أنظمة الري وشبكات المياه.
أما على صعيد التعليم العالي والبحث العلمي أكد د. أوبان أن التقارير الصادرة عن وزارة التعليم العالي السورية أشارت إلى إنجازات وإصلاحات أكاديمية ورقمية، حيث أصبحت المفاضلات الجامعية رقمية بالكامل دون تدخل بشري لتسهيل الإجراءات، كما تم تعزيز التعاون الأكاديمي الدولي مع دول ومنظمات دولية (كالمملكة العربية السعودية، ودولة أذربيجان ومنظمة الإيسيسكو، وشبكة الآغا خان للتعاون في مجالات التعليم الطبي والتمريض) موضحاً أنه تم تخفيض الأعباء على الطلاب كرسوم الجامعات الخاصة، كما تم إلغاء تصنيف “السوري غير المقيم” لتوحيد معاملة جميع الطلاب، ودراسة إمكانية إعفاء أو تخفيض الأقساط للطلاب القدامى، إضافة إلى الإعلان عن منح دراسية مقدمة للطلاب السوريين (من الجزائر، وكذلك من البرازيل).
واعتبر مدير معهد الأعمال أن الجهاز القضائي شهد خطوات أولى جديّة نحو إعادة الهيكلة، حيث بدأت إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية وتدريبها على أسس قانونية جديدة لضمان خضوعها للقانون، وأن الإصلاحات شملت خطوات نحو تعزيز استقلال القضاء ومكافحة الفساد مع الإعلان عن إنشاء لجان ثلاثية لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات، بالإضافة إلى عمليات الإفراج عن المختطفين والمحتجزين تحت إشراف دولي.
ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن القطاع الصحي الذي واجه تحديات هائلة، وخاصة بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 15 مليون سوري بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية، مع تضرر معظم المرافق الصحية بشكل كبير وتجاوز قدرتها الاستيعابية، وأنه في مواجهة هذا الواقع عملت الحكومة على تحسين الخدمات الصحية، ودعم عودة المستشفيات والعيادات للعمل مدعومة بمبادرات شعبية محلية، وأن الجهود تركزت على توسيع قدرة المشافي الحالية، وتوفير الرعاية في مناطق الكثافة السكانية والنازحين بما في ذلك إرسال فرق طبية إلى المناطق صعبة الوصول.
وقال الدكتور أوبان: منذ اللحظات الأولى للتحرير، شهدنا محطات هامة ساهمت برسم سردية المشهد السوري من خلال رفع العقوبات إلى عودة سوريا لنظام swift ثم عودتها إلى المجتمع العربي والدولي وغير ذلك، ولكن يبقى التاريخ ٨ / ١٢ هو التاريخ الفاصل الذي عبرَ به السوريون من الألم الى الأمل، ومن الأَسرِ الى النصرِ، ومن الملامحِ الى الملاحمِ، وأنه ليس من المبالغة القول أن نجاح القصة السورية اليوم قد أضاء على مدرسة جديدة في السياسة والدبلوماسية، وعلى نموذج يتعاطى مع الواقع المحلي والإقليمي والدولي معاً بعد أن كان النظام البائد منفصلاً عنهم، وعلى قيادةٍ شابة تجمع في شخصها صـَـفـحَ مانديلا وحـِكمة غاندي وكاريزما تشي غيفارا.
وأضاف أنه ليس من المستغرب أن تستحوذ تلك القيادة على ضمير الأمة وصوت الجماهير، فقد اختارت صدق الخطاب وبساطة المفردات، وأن يومنا هذا لا يمتُّ للأمس بصلة زمن الخطابات فارغة المضمون والتي لا يغير معناها حذْفُ نصفها، أما اليوم فأيّ خطبةٍ عظيمةٍ تلك التي أعلنت أن الثورة التي انتصرت على الظلم والقتل والقهر، لم تأت لتثأر وإنما أتت لتنصف، ولتحيي العدالة، ولتؤسس لدولة المواطنة.
واختتم د. أوبان تصريحه للوحدة بقوله: إن الترحيب الكبير بالخطاب السياسي السوري الرسمي في الخارج والداخل ساهم إلى حد كبير في الاستقرار السياسي الذي عرفته البلاد، وأن ذلك كانت له أصداء عديدة.