الوحدة – تمام ضاهر
مع مرور عام على التحرير وانتصار الثورة السورية تواصل الحكومة الجديدة سعيها الجاد نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإعادة الإعمار في البلاد، فيما شهدت الحياة الاقتصادية خلال الأشهر المنصرمة محطات نوعية رغم وجود تحديات كبيرة.
عميد كلية الاقتصاد في جامعة اللاذقية الدكتور عبد الهادي الرفاعي أكد في تصريح خاص لصحيفة الوحدة أن أبرز جوانب التغيير في المشهد الاقتصادي السوري كان رفع العقوبات الغربية والأمريكية، فيما شهدت البلاد تسهيلات في المعاملات المالية والتجارية بما في ذلك عودة النشاط المصرفي، وافتتاح فروع للبنوك في المناطق المحررة وتحسين الخدمات المصرفية، وأشار الدكتور الرفاعي إلى وجود محاولات لإدخال أنظمة الدفع الإلكترونية لتسهيل إنجاز هذه المعاملات.
واعتبر الدكتور الرفاعي أن التحضيرات لإطلاق العملة الجديدة تسير نحو هدفها المرسوم من خلال طرح فئات جديدة من العملة المحلية بهدف تعزيز الثقة النقدية ومكافحة التضخم، مشدّداً على أن التحدي الأكبر هو تحقيق استقرار سعر صرف الليرة السورية أمام سلّة العملات الأجنبية.
وأشار الخبير الرفاعي إلى أن أبرز تلك المحطات كانت تلك الزيادات المتتالية في رواتب القطاع العام، والتي بلغت نسباً مرتفعة في بعض الفئات الأمر الذي ساهم في تحسين القوة الشرائية لشريحة واسعة من المواطنين، مبيناً أن هذه الزيادات لم تلحق بها ارتفاعات سعرية مقابلة، وهو ما عزّز أثرها الإيجابي على المعيشة، لافتاً إلى أن الجهود الحكومية تركزت على تأمين الخدمات الأساسية مع تحسن ملحوظ في قطاع الكهرباء، وإعادة تأهيل بعض محطات التوليد، وزيادة ساعات التغذية وسط تحسن في الخدمات البلدية والإدارية.
وحول الأرقام والمؤشرات الاقتصادية وميزان المدفوعات أوضح الدكتور الرفاعي أنه لا توجد أرقام رسمية دقيقة، لكن الصادرات تشهد نمواً واضحاً في بعض القطاعات كالمنتجات الزراعية والنسيج، وأن هناك تحسناً ملحوظاً في نسبة الواردات إلى الصادرات، الأمر الذي يشير إلى تحسن ملحوظ في ميزان المدفوعات.
وأشار الرفاعي إلى أن القطاع الصناعي في سوريا شهد خلال العام المنصرم استعادة بعض المنشآت الصناعية لعافيتها، لا سيما في الصناعات الغذائية والتحويلية، وأن هناك مبادرات لدعم الصناعيين من قبل الدولة بما في ذلك تقديم قروض ميسرة أو إعفاءات جمركية على بعض الآلات، وأن قطاع التجارة الداخلية شهد انتعاشاً مع تحسن الظروف الأمنية، وعودة حركة النقل و البضائع بين المحافظات، وإعادة افتتاح الطرق ولفت إلى أن هذا الأمر ينسحب على التجارة الخارجية التي شهدت بدورها انفتاحاً تجارياً مع دول الجوار (الأردن، العراق، لبنان)، وبعض الدول العربية مثل الإمارات ومصر.
وعن عودة الاستثمارات العربية والغربية أشار عميد كلية الاقتصاد إلى وجود مبادرات استثمارية إماراتية وسعودية وعراقية في قطاعات العقارات والطاقة والسياحة، ولفت إلى زيارة وفود اقتصادية عربية لاستكشاف فرص الاستثمار في البلاد، وأن هناك تحسناً ملحوظاً في طلبات الاستثمارات للشركات الغربية في سورية، وأن بعض الشركات الأوروبية تدرس العودة من خلال شركاء محليين أو عبر فتح مكاتب تمثيلية مؤكداً عودة بعض الشركات السورية المهاجرة، لا سيما في قطاعات الخدمات والتجارة، وإلى حصول شراكات مع مستثمرين عرب في مشاريع سياحية وعقارية.
وحول مرتسمات هذا المشهد الاقتصادي السوري والمأمول خلال الفترة القادمة أوضح الدكتور الرفاعي أن الأولويات اليوم تتمثل في استكمال إعادة الإعمار، واستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة في البنية التحتية، وإطلاق مشاريع كبرى بالشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، مشيراً إلى الحاجة إلى إصلاح اقتصادي هيكلي فضلاً عن إصلاح النظام المصرفي، وتعزيز الشمول المالي، وتحسين مناخ الأعمال، وسهولة ممارسة الأنشطة الاقتصادية، مضيفاً أن تحقيق الاستقرار النقدي يتم من خلال السيطرة على التضخم، ودعم سعر صرف الليرة السورية، وزيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية وأيضاً تنمية القطاعات الإنتاجية بما في ذلك دعم الزراعة والصناعة والسياحة لتحقيق النمو المستدام، منوهاً بضرورة تعزيز الصادرات، وتقليل الواردات لتحسين الميزان التجاري.
وفي الخلاصات والنتائج اعتبر عميد كلية الاقتصاد أن المشهد الاقتصادي السوري بعد عام من التحرير يشهد تحسناً تدريجياً لكنه يواجه تحديات هيكلية تحتاج وقتاً وحلولاً جذرية، ورأى أن النجاح في تحقيق الاستقرار الاقتصادي مرهون باستمرار التحسن الأمني، ورفع كامل العقوبات الدولية، وجذب الاستثمارات الخارجية، وإصلاح النظام الاقتصادي، واختتم الرفاعي تصريحه للوحدة بقوله: إن الطريق طويل لكن المؤشرات الحالية تبعث على التفاؤل والأمل بمستقبل جيد.