رقــم العــدد 9289
11 شــــــباط 2019
حدثان في القرن العشرين كان ظهورهما غير قابل للتوقع والتنبؤ, حدثان غيَّرا مجرى المنطقة والعالم والمعادلات الدولية، لم يكن أحد في العالم لا فلكي ولا سياسي ولا عالم ديني يتنبأ حتى لآخر لحظة من عمر النظام الشاهنشاهي بانهياره وسقوطه ورميه في مزبلة التاريخ وقيام نظام إسلامي في إيران.
في عام 1941 تسلَّم الشاه محمد رضا بهلوي الحكم في إيران، وخلال مدة حكمه التي دامت حتى عام 1979 أي ما يقارب 38 عاماً حَكَمَ الشاه باستبدادٍ مُطلق، سلاحُهُ الحديد والنار، حيث تسلَّط على العباد والبلاد وساد القمع والاضطهاد والفساد، وأصبح الشاه ألعوبة وأداة بيد البيت الأبيض لتنفيذ مخططات وأوامر الرؤساء الأمريكيين في إيران، وقام نظامه بالسماح بتغلغل الثقافة الغربية بشدة لتخريب وتدمير القيم والمبادئ السامية التي تربَّى عليها أبناء الشعب الإيراني، وكانت الإدارة الأمريكية هي المسيطرة على الجيش الإيراني وعلى قراره عبر بيعه مختلف أنواع الأسلحة وإنشاء قواعد أمريكية على الأراضي الإيرانية للتدخل في شؤون البلاد الداخلية.
وقد كانت علاقة الشاه مع إسرائيل أحد أهم الأسباب الدافعة للثورة وأحد العوامل التي أثارت غضب ونقمة الشعب الإيراني, حيث جعل الإمام الخميني من هذه العلاقة محور خطاباته وفتاويه, لتنوير الشعب الإيراني بمدى خطورة تغلغل النفوذ الصهيوني في البلاد وكان يدعو لحرمة التعامل مع هذا الكيان الغاصب للأراضي العربية المحتلة وفلسطين والقدس.
شعر الشاه ونظامه بالهلع والخوف الشديدين، واستنفرت أجهزة الأمن والدولة جرَّاء خطاب الإمام الخميني وانعكاساته على الساحة الإيرانية فقرر نفي الإمام إلى تركيا في عام 1964 واستقر فيها إلى أن غادر تركيا متوجها إلى العراق عام 1965. و في العراق استمر الإمام بعمله الثوري والنضالي إلى أن تم نفيه خارج العراق، فاختار سماحته أن يتوجه إلى فرنسا، فوصل إليها يوم 6 تشرين الأول 1978 ونزل في ضاحية نوفل لوشاتو بالقرب من باريس، ومن هناك من منزله في هذه الضاحية الفرنسية بدأت المرحلة الهامة والمصيرية من نضال الإمام الخميني ضد نظام الشاه، فأصبح منزله مقصداً للثوار والمناضلين ولوكالات الأنباء العالمية، وكان يقود ثورة الشعب الإيراني البطل من منزله المتواضع في تلك الضاحية الباريسية النائية، حيث كان يلهب بخطاباته وكلماته حماسة الشعب الإيراني لينتفض في وجه نظام الشاه العميل وممارساته القمعية، حتى عمَّت المظاهرات والإضرابات جميع أنحاء البلاد.
توصَّل الشاه إلى قناعة مفادها عدم إمكانية قيادة البلاد بقوة الحديد والنار والقمع البوليسي, وقبل أن يغادر البلاد بتاريخ 16/1/1979 كلَّف شابور بختيار بتشكيل الحكومة إلا أن الإمام رفض حكومة بختيار والتعامل معها لأنها حكومة غير شرعية تم تعيينها من قبل شخص ليس له صفة قانونية.
وفي كانون الأول عام 1979 انتَخب الإمام الخميني مجلس قيادة الثورة، وفي 1/2/1979, وفي الساعة التاسعة صباحاً هبطت الطائرة التي كانت تقلُّ الإمام الخميني في مطار مهر آباد, حيث كان الملايين من أبناء الشعب الإيراني يتدافعون لاستقبال الإمام مُرحبين بعودة إمامهم ومُلهمهم وقائد ثورتهم بعد غياب طويل.
وبدأت الأحداث تتسارع وتيرتها فمنذ وصول الإمام إلى طهران أخذ مسؤولو النظام الشاهنشاهي يعلنون استقالتهم وتضامنهم مع الإمام فيما قام البعض بمغادرة البلاد سراً, وفي 11/2/1979 أعلن الجيش موقفه الحيادي من الأحداث وهكذا سقطت حكومة بختيار بعد 37 يوماً من التنصيب وهرب إلى خارج البلاد، وبهذا يكون قد سقط نظام الشاه وانتصرت ثورةُ شعبٍ أرادَ الحياة بعزة وكرامة وانتصر الدم على السيف والبارود.
إن الإحصائيات الرسمية للمؤسسات العلمية في العالم تؤكد أن إيران شهدت نمواً هائلاً في البحث العلمي على الرغم من العقوبات والحصار الظالم المفروض عليها منذ انتصار الثورة، حيث نرى أن إيران قبل الثورة الإسلامية لم يكن لها أية مكانة في الإحصاءات العلمية العالمية، ولكنها اليوم تمتلك أسرع نسبة في النمو العلمي في العالم وتعد الأولى عالمياً في هذا المجال، ويعد نموها أحد عشر ضعفاً بالنسبة إلى المتوسط العالمي، كما تحتل المرتبة الأولى في المنطقة من الناحية العلمية والسادسة عشر عالمياً.
و على صعيد عدد الخريجين في مجال العلوم المعرفية والتقنيات والهندسة والرياضيات والطب فإن إيران تحتل المرتبة الخامسة في العالم، وفي مجال العلوم الجديدة تحتل المرتبة السادسة عالمياُ على مستوى الدول المتقدمة التي تقوم في الإنتاج في مجال تقنية النانو، وتحتل المرتبة الثانية عالمياً بين الدول الأكثر تطوراً في تقنية الخلايا الجذعية، وهي تعد ضمن الدول الثلاث عشرة في مجال امتلاك دورة الوقود النووي والتي تستطيع تخصيب اليورانيوم، وفي مجال التقنية الحيوية تحتل إيران المرتبة الثالثة عشرة في الإنتاج، والأولى في المنطقة في هذا المجال، كما أنها اليوم تستطيع إنتاج أهم الأدوية والتي كانت تقنياتها حكراً على عدد قليل من الدول الكبرى، وهي تحتل المركز السادس عشر عالمياً في إنتاج المقالات العلمية، والمركز العاشر في مجال تصميم الأقمار الصناعية وإطلاقها إلى الفضاء.
وجميع هذه التقنيات ومنها الخلايا الجذعية والنانو والتقنية النووية للأغراض السلمية وغيرها من التقنيات، هي في خدمة المواطن الإيراني، فاستطاعت إيران اقتحام عصر التكنولوجيا، ووصلت إلى الاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات العلمية، وحظيت بالمكانة الرفيعة على المستوى العالمي عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وعلمياً وعلى جميع الأصعدة، مما جعلها دولةً قوية ًمقتدرة مرهوبة الجانب، ولها دورها المشهود في دعمها ووقوفها إلى جانب الحق في القضايا العادلة للشعوب المظلومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق وغيرها من الدول التي تتعرض لمؤامرات الدول الغربية والقوى الصهيوأمريكية التي تستهدف إضعافها والسيطرة عليها بالتعاون مع عملائها وأدواتها من الدول والقوى الرجعية في المنطقة.
قبل أربعين عاماً تكالبت قوى الشر على الثورة الإسلامية وكانت حينها طرية العود، ورغم ذلك لم تتمكن من النيل منها، واليوم تعود هذه القوى نفسها بأساليب وأدوات أكثر خبثاً ومكراً، لامتحان حظها مرة أخرى مع هذه الثورة، ولكن الفارق بين النِّزالَين، هو أن إيران الثورة اليوم تطلق أقماراً صناعية إلى الفضاء، وتمتلك برنامجاً نووياً متكاملاً، وقوة ردع عسكرية هائلة، ونهضة علمية وتقنية وصناعية واقتصادية كبرى، وهي جزء من محور كبير أفشل أكبر مؤامرة كانت تستهدف المنطقة وخاصة إيران عبر ضرب سورية، خططت لها أمريكا والغرب و(إسرائيل) ونفذتها بعض الأنظمة العميلة في المنطقة، عبر استخدام أدواتها الطائفية الخبيثة، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في كسر محور المقاومة، أو حتى في إضعافه، وبعون الله فإنها ستفشل دائماً في مؤامراتها ومشاريعها الخبيثة لأن شعوب هذا المحور المقاوم ثابتة على المبادئ الراسخة، ومؤمنة بحقها الساطع في أن تحيا بعزة وكرامة، وأن تنعم بالسلام والأمان، وأن تتمتع بحريتها وبقرارها السيادي بعيداً عن مطامع المستعمرين ومؤامرات الحاقدين.
الملحق الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في اللاذقية
حسين الحسيني