المقلي والسانونة.. تراث وفخار وأداة طهي الطعام الأفضل

الوحدة- معينة جرعه

تعد صناعة الفخار والسلال واحدة من أعرق الصناعات اليدوية حيث صنعها الإنسان منذ أقدم العصور لاستخدامها كأوعية مكملة لحياته ترافقه في حله وترحاله طوال أيام عمره لايستطيع أن يستغني عنها.
لقاؤنا اليوم مع الباحث في التراث نبيل عجمية ليحدثنا عن هذا النوع من الأواني الفخارية التراثية:
المقلي: يصنع من التراب والحجر الملحي (الدب ملح) والماء، ويستخدم كوعاء للطبخ ويعجن بأيد خبيرة ليضفي على الطعام النكهة والطعم اللذيذ إنه مقلي الفخار، الأداة التراثية المخصصة للطبخ، والتي يزيد عمرها على عدة قرون حيث ذاع صيتها في الشرق والغرب لما تضيفه على وجبة الطعام المصنوعة بواسطتها من نكهة الطبيعة ورائحة الأرض وبساطة الحياة.
ونوه الباحت  إلى أن  قريتي بريعين في جبلة ودوير المشايخ في طرطوس هما القريتان الساحليتان الوحيدتان اللتان يصنع فيهما مقلي الفخار منذ مئات السنين، وقد ارتبط هذا المقلي بتاريخ وتراث المنطقتين، وكان لسكانهما دور في استمرار هذه الصناعة كواحدة من المهن التراثية التي تعطي للساحل السوري روحه وطابعه المميزين،
ويحتاج المقلي إلى نوعية معينة من التراب إضافة إلى حجر يسمى دب الملح الذي يدق ومن ثم يطحن على الرحى الحجرية للحصول على مسحوق أبيض ناعم يضاف إلى خليط التراب المنقوع بالماء لحوالي يوم وليلة فيمنحه القوة والتماسك والتجانس، لكن هذا التجانس لا يكفي للحصول على الصلابة النهائية للمقلي إذ يجب دق خليط التراب بعد رش المسحوق الملحي عليه وذلك بواسطة مدقة خشبية كبيرة.
وأضاف: بعد مرحلة الدق يجمع الخليط، ويوضع على طبق مصنوع من القش، ويتم صناعة تجويف عميق في الخليط يكون بداية صناعة المقلي أو كما يعرف بالعامية( إدارته) فمرحلة تدوير الخليط تكون بشكل توسعي عرضاني ليصبح بشكل وعاء قاعدته صغيرة وفتحة رأسه كبيرة وعريضة وكل هذا العمل يجري  بواسطة اليدين اللتين تعملان باحتكاك مباشر مع الخليط وبشكل توسعي، وبعدها تبدأ مرحلة قطع المقلي لتتم بعد ذلك عملية صنع حواف الوعاء العليا لتصبح سميكة نوعاً ما مع إضافة زوائد خارجية  بشكل المقبض الذي يستخدم لرفع المقلي عن النار خلال وجبة تحضير الطعام، ومرحلة التحسين في صنع المقلي والتي تعطي سطحه تماسكاً وتجانساً ونعومة، وتملأ بعض الثقوب الصغيرة في حال وجدت وذلك بواسطة الماء وقطعة حجرية ملساء تدعى الحصوة لها شكل البيضة بحيث يفرك سطح المقلي بها بعد وضعها في الماء قليلاً ومن  بعدها مرحلة التمليس الخاصة بجسم المقلي الخارجي، وتستخدم في هذه المرحلة شفرة  لإزالة الزوائد وإعطاء القوام النهائي للمقلي الذي يتصف بالنعومة والتجانس. يوضع المقلي في الظل لحوالي ثلاثة أيام متواصلة حتى يجف منه الماء, وفي اليوم الرابع يوضع لحوالي ست ساعات تحت أشعة الشمس للتخلص النهائي مما تبقى فيه من رطوبة وبعدها يوضع المقلي في التنور وتشعل النار ويترك فيها حتى يصبح لونه أحمر كالجمر ثم يرفع من التنور، ويوضع فيه أوراق أشجار السنديان اليابسة المجموعة من تحت أشجار السنديان والتي تسمى (بالصبغة) ويقلب على ظهره ويضاف إليه الكثير من الأوراق حتى تغطيه بالكامل حيث يترك المقلي على هذا الحال مغطى لحوالي الخمس دقائق فقط ليحصل على اللون الأسود، مع الانتباه الدائم له كي لا تشتعل النار بالأوراق نتيجة حرارة المقلي المرتفعة وبعد استخراجه من بين الأوراق يفرك بواسطة قطعة قماشية نظيفة لتزيد من نعومته.
وأشار الأستاذ نبيل إلى أنه بالرغم  من التطور الكبير الذي طرأ على الأدوات الخاصة بالطعام لكن بقيت هذه الصناعة محافظة على وجودها بشكل كبير، وأصبح الطلب عليها كبيراً نظراً لفوائدها الصحية وإضافتها نكهة الحطب إلى الطعام.
هذا ويعتبر مقلي الفخار واحداً من أقدم الأدوات المستخدمة في المطبخ الساحلي والمطاعم السياحية، والتي تمتاز بأنها صحية جداً لتقديم وحفظ الأطعمة كونها بعيدة عن التفاعلات الكيماوية، وينصح بها طبياً كونها صحية تماماً، ولا ننسى تمرين مقلي الفخار قبل استعماله، والتي تعرف بأنها عملية تهيئة للمقلي كي يكون جاهزاً للاستخدام ولا يصبح عرضة للكسر، حيث تتم عملية التمرين بوضع القليل من زيت الزيتون في المقلي ووضعه على النار وتركه يغلي ليصار إلى تدوير الزيت في جميع الاتجاهات حتى يتشربه الوعاء من جميع الزوايا، كما يمكن أن نضع زيت الزيتون به ونتركه يغلي لنحصل على النتيجة نفسها.
أما في قرية القصيبة فقد توارث الأبناء عن الأباء والأجداد صناعة السانون والسلال والأطباق وكل مستلزمات اليدوية المطلوبة منزلياً من الصناعة التقليدية التي كان يحتاجها كل الناس في مواسم الكروم ويوميات الحياة.

صناعة المقلي الفخار
تصفح المزيد..
آخر الأخبار