الأختام الأسطوانية الأوغاريتية ومدلولاتها في محاضرة تاريخية أثرية

الوحدة – رفيدة أحمد 

تعتبر الأهمية التاريخية للختم الأسطواني، في كونه نشأ قبل اختراع الكتابة، وهنا تكمن قيمة الأختام الأسطوانية الأوغاريتية في كونها تعد مظهراً متطوراً من مظاهر تطور الفن الذي وصل إليه الإنسان في الحضارات التي سادت في سورية وبلاد ما بين النهرين، ومن كون هذه الأختام تشكل جانباً مشخصاً لأحداث تاريخية أو أسطورية قديمة تساعدنا على فهم مستوى التفكير والحياة، وصورة الحدث والرموز، والملوك والكهنة والأفراد.
ولذلك أعددتُ هذه الندوة لتوضيح ماهية استخدام هذه الأختام في الحضارات القديمة وخاصة في أوغاريت، وانتقالها الى البلدان المجاورة وصولاً إلى مصر واليونان والصين، بهذه المقدمة استهلت الفنانة التشكيلية: لينا حبيب ديب عضو مجلس الإدارة في الاتحاد العربي للثقافة محاضرتها القيّمة التي حملت عنوان: الأختام الأسطوانية الأوغاريتية ومدلولاتها، وذلك في مقر جمعية العاديات باللاذقية.
ونظراً لأهمية المحاضرة نسلط الضوء على أهم ما جاء في المحاضرة من أفكار ومعلومات، بداية أوضحت المحاضرة لينا أن الشكل العام للختم كان مسطحاً استخدمته شعوب الحضارات القاطنة في العراق أول الألف السادس قبل الميلاد وعند النصف الثاني من عصر الوركاء حوالي عام 3200 ق.م، حيث ظهرت الأختام الإسطوانية، ويعد أول استخدامات هذه الأختام كان للدلالة على سلامة وأمان محتويات جرار الرسائل المتبادلة بين الملوك والكهنة، إذ توضع طبقة من الطين والصلصال على فتحات تلك الجرار ليمرر عليها الختم، ويترك أثر بصماته عليها، كما يدل على سمات محتوياتها، وعدم وصول الأيدي العابثة على ما بداخلها.
هذا وقد كانت المراسلات تلف بقماش وتربط بحبال، ثم تغطى العقدة أو الحزمة بكتلة من الطين الطري، ويدحرج عليها الختم ليأخذ مرتسماتها، وما تعنيه من رموز ودلالات.
وكانت تصنع هذه الأختام من الحجارة الخاصة، أو المعادن الطرية، مثل النحاس أو الرصاص فالأختام الأسطوانية  مظهر من مظاهر تطور الفن القديم، وتعتبر من أقدم طرق النشر الثقافي وذلك أن الختم الأسطواني، يمكن طبعه مئات المرات على ألواح الطين التي يمكن نقلها الى كل مكان حاملة معها أفكاراً وأخباراً تبقى ماثلة بوضوح إلى عهد طويل.
وعرّفت ديب الختم بقولها: هو عبارة عن قطعة أسطوانية يخترقها طولانياً ثقب يسهل عملية استخدامها وتمريرها على السطوح الصلصالية، دون أن تلمسها أصابع الصناع والعمال، ويتراوح طول الشكل الأسطواني للختم بين 3 -5سم، وغالباً ما يكون قطر الختم يعادل نصف طول الأسطوانة، ويتم حفر الأشكال والمرتسمات معكوسة، لتظهر بعد الطباعة على وجهها الصحيح، وأغلب الرموز والدلالات كانت قد حفرت على الأختام بشكل غائر، والرسومات المحفورة على الختم تشكل في مجملها لوحة تشكيلية بما فيها من تفاصيل تغني معلوماتنا عن  عصر من العصور.
‏ وكان ابتكار الختم حصيلة لشروط اجتماعية اقتصادية وبيئية، كانت قائمة بداية في سومر وعيلام، وقد استخدمها لنقل الأحداث بأمانة عبر الأجيال، وبهذا المعنى فإن الفنون البصرية قد تقوم مقام اللغة في نقل
المعلومات والمراسلات.
ثم حللت أ. لينا الرسومات الرمزية والسمات التعبيرية المحفورة على الأختام مع شرح تاريخي وفني، في تبيان تاريخ ظهور الأختام الأسطوانية، والغاية التي استخدمت من أجلها، مع تحليل وصفي لبعض النماذج من هذه الأختام الأسطوانية المنقوشة بمشاهد تمثل الحياة اليومية، وتشير إلى الأساطير، والعقائد الدينية.
‏ وكان يختم بها سطح اللوحات الطرية فتطبع عليها الصور بشكل بارز، لتظهر بهذه الصور علامات خاصة تظهر الملكية الفردية وكانت تتميز بحفر دقيق يشبه الحفر على الأحجار الكريمة حيث تبدو لنا مثل هذه الأعمال الفنية الدقيقة غريبة وطريفة، وفي الواقع تحتفظ المتاحف بالآلاف منها لأهميتها الكبيرة، إذ ينحصر ظهور هذه الأختام في التاريخ الحضاري للشرق الأدنى القديم بين اكتشاف الكتابة في حوالي 3200 ق.م، وفتح الاسكندر للشرق في عام 330.ق.م.
‏ إن مواضيع الأختام الأسطوانية هي وثيقة تاريخية نقلت لنا من حجرات في باطن الأرض حضارة مهمة كانت موجودة منسقة ومنظمة، انعكست لنا بموجب نظام رسالة منجزة، على تلك الأختام التي مر عليها حقب من الزمن.
وبعد العرض والشرح المسهب لنماذج الأختام الأسطوانية ختمت الفنانةالتشكيلية لينا ديب محاضرتها الشيقة بعرض مدونة لرقيم أقدم نوتة موسيقية في العالم، وهو أوّل موسيقى مدوّنة (بالكتابة المسماريّة) في تاريخ البشريّة، فكّ رموزها ريشارد دمبريل تنص: ابتهال النسوة اللاتي لا ينجبن وهن يقدمن زيت السمسم قرباناً للآلهة نيجال، لكي ترأف بحالهن واللغة هنا مسمارية وجدها علماء الآثار كلمات مزودة بنوتة موسيقية متكاملة ترجع إلى ٣٥٠٠ سنة.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار