الوحدة – بثينة منى
في قلب غابات الأمازون النابضة بالحياة حيث رئة الأرض تتنفس، انعقدت قمة المناخ (COP30) حاملة معها أمالاً عالمية في مواجهة أحد أعظم التحديات التي تهدد وجودنا المشترك، لكن بين كل هذه الحشود الدولية كانت هناك مشاركة تخطف الأنظار وتستحق التوقف أمامها طويلاً، مشاركة الجمهورية العربية السورية برئاسة السيد الرئيس أحمد الشرع، هو إعلان بصري قوي عن عودة سوريا إلى الساحة الدولية، وفصل جديد من فصول تعافيها وإصرارها على لعب دورها في المعركة المصيرية للبشرية.
إن الحضور السوري على هذا المستوى الرفيع، ممثلاً بالسيد الرئيس أحمد الشرع ووفد حكومي يضم وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني والإدارة المحلية والبيئة هو رسالة ذات دلالات عميقة، فهو لا يعكس تجاوز مرحلة الصراع فقط، بل يؤسس لمرحلة دبلوماسية نشطة، فزيارة البرازيل تتجاوز هدف المشاركة في القمة إلى بناء جسور تعاون جديدة مع دول أمريكا الجنوبية ونسج شراكات بيئية مستدامة، إنها استراتيجية ذكية تهدف إلى الربط بين نظامين بيئيين هامين هما: نهر الفرات في سوريا، ونهر الأمازون في البرازيل، مما يخلق تحالفاً طبيعياً بين حضارتين عريقتين في مواجهة مصير مناخي مشترك.
لا تأتي هذه المشاركة في ظل ظروف عادية بل في خضم تحديات مناخية واقتصادية، لقد خلفت سنوات الحرب والتغير المناخي ندوباً عميقة على الموارد الطبيعية السورية، مما يجعل انخراطها في الجهود الدولية ليس خياراً، بل ضرورة حتمية، وهنا تبرز رؤية سوريا المزدوجة للعدالة، عدالة انتقالية محلية لإعادة البناء بشكل مستدام، وعدالة بيئية عالمية تذكر العالم المتقدم بمسؤوليته التاريخية في أزمة المناخ، إن سوريا بالشراكة مع دول الجنوب النامي، تسعى لتحقيق توازن عادل بين متطلبات التنمية التي تدفع ثمنها، وضرورة حماية البيئة التي تتحمل تبعات الإهمال العالمي لها.
لم يكن الحضور السوري في القمة منعزلاً، بل كان محط اهتمام ودعم من شركاء دوليين، مما يعكس بداية عودة الثقة إلى العلاقات الدولية، اللقاءات الثنائية مثل اللقاء مع وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، والتأكيد على وقوف إيطاليا إلى جانب الشعب السوري، هي إشارات إيجابية على أن المجتمع الدولي يبدأ في رؤية سوريا بشروط جديدة، قائمة على التعاون والشراكة في قضايا مصيرية مثل المناخ وإعادة الإعمار، وتصريح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بأن المشاركة تأتي في عهد الانفتاح والتعاون البنّاء يلخص هذا التحول في الرؤية والمنهج.
وفي كلمته خلال مؤتمر قمة المناخ COP30، أكد السيد الرئيس أحمد الشرع أن سوريا واجهت على مدى السنوات الماضية تحديات بيئية معقدة وتراكمية، أثرت بشكل كبير على الإنسان والموارد، وانطلاقاً من الإدراك بأن غابات الأمازون تمثل رمزاً للحياة على كوكبنا، نجدد التزامنا الجماعي بحماية بيئتنا ومناخنا، من أجل ضمان مستقبلٍ آمنٍ ومستدامٍ لأجيالنا القادمة، وتتجلّى رؤيتنا الطموحة في خططنا لإعادة الإعمار والتعافي، التي بدأنا بتحويلها إلى سياسات وبرامج ومشاريع ملموسة على أرض الواقع، وإننا نؤمن بأن التحديات الجسيمة تحمل في طياتها فرصاً ثمينة، لذلك ندعو الشركاء الدوليين إلى الاستثمار في سوريا، خصوصاً في قطاعات الطاقة المتجددة، والمدن الخضراء المستدامة، والمشاريع الرائدة التي توفر الدولة لها الحماية والرعاية والضمانات اللازمة، واكد السيد الرئيس التزام سوريا الكامل بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ودعى إلى تعزيز أواصر التعاون من الأمازون إلى نهرَيْ بردى والفرات، في إطار تعاون دولي متين، ودعمٍ للمكانة الريادية التي تتنبؤها الدول النامية، والتي تقودها اليوم البرازيل بكل جدارة وكفاءة.
إن مشاركة سوريا في قمة COP30 إنها نقطة تحول استراتيجية، ورسالة أمل للشعب السوري بأن بلاده تتجه نحو آفاق أرحب من الانفتاح والتعاون، ورسالة إلى العالم بأن سوريا بروحها الحضارية الأصيلة، عازمة على أن تكون شريكاً فاعلاً في بناء مستقبل أكثر اخضراراً واستدامة، في مواجهة تلوث الصناعة والاحتباس الحراري والجفاف، تقدم سوريا نفسها ليس كمجرد متلقٍ للمساعدات، بل كطرف فاعل في معركة الوجود هذه، ساعية مع شركائها نحو عالم ينعم فيه الجميع بالاستقرار والتنمية المستدامة.