الوحدة-ندى سلوم
يتميز التراث السوري بغناه بقصص الظرفاء، فهم فاكهةُ المجتمع وروحها الحيّة، حيث أضفَوا على المجالس، بخفة ظلهم وذكائهم، نكهةً محببة، فكانوا مرآةً لروح المدينة، وجمعوا بين الطرافة والثقافة، وحوّلوا المواقف اليومية إلى لوحاتٍ من البهجة والفكر والذوق السوري الأصيل.
وفي هذا السياق، أقامت مديرية الثقافة بدمشق محاضرة تراثية بعنوان “نوادر ظرفاء دمشق” في المركز الثقافي العربي بالمزة، ألقاها الباحث التراثي “مازن ستّوت” مستعرضاً فيها ملامح مرحلةٍ دمشقية زاخرة بالنكتة والبداهة والذكاء الاجتماعي.
سلّط “ستّوت” الضوء خلال المحاضرة على سهرات الظرفاء ومساجلاتهم الأدبية، وكيفية الجمع بين الطرافة والعمق الثقافي في آنٍ واحد، إذ لم تكن مجالس للتسلية فقط، بل منصّات للفكر والشعر والفن والسياسة، حضرها كبار الأدباء والصحفيين والموسيقيين.
بدايةً استهل الباحث “ستوت” محاضرته بسرد نموذج لأحد الظرفاء الذين لمعوا في مرحلة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وهو المناضل الوطني والأديب فخري البارودي، الذي كان بيته ملتقى للسياسيين والفنانين لظرفه، كما تبّنى العديد من المبدعين وعلى رأسهم صباح فخري.
وأشار المحاضر أيضاً إلى المحامي والباحث الموسيقي “نجاة قصاب حسن” موضحاً خصاله ومزاياه، فهو صاحب باعٍ طويل في القانون والموسيقا واحتراف الأدب، وتجلّت فكاهته في كتابه الشهير (حديث دمشقي) الذي دوّن قصص باقة من فكهاء دمشق، وفي المجلات الساخرة العديدة التي أطلقها وعمل لها.
هذا، ونوّه المحاضر إلى الأديب “حبيب كحالة” صاحب الجريدة الساخرة الأشهر في سوريا، حيث توقف عند دعابته الممزوجة بالسخرية الهادفة، وعبر جريدته التي استمرت بالصدور حتى سنة 1965، صنع منبراً لشخصيته التي اتخذها تحت اسم “ابن الشعب”، فنشر من خلالها أشكالاً ومواقف شتى وتحتها التعليقات الساخرة على السياسات المحلية والعربية والدولية.
أيضاً أشار “ستوت” إلى الدمشقي الأكثر فكاهة “حسني تللو” الذي كان أحد أظرف أبناء جيله وأقربهم إلى روح النكتة الدمشقية الأصيلة، وجمعته صداقة قوية مع فخري البارودي، وكان صاحب الحضور الأثير في مجالس دمشق، حيث كان الناس يتسابقون لمسامرته ومنادمته.
وحول نفس الموضوع، دعا “ستوت” في تصريح صحفي إلى أهمية النكتة التي غابت عن مجتمعاتنا في هذه الأيام لأن الظرافة تعتبر نتاجاً شعبياً وتعبّر عن التآلف ودرجة رفاه المجتمع، وهو ما افتقدناه في السنين السابقة، كما أنها دليلٌ على الوعي والثقافة، فالظرافة تحتاج إلى صفاءٍ وهدوءٍ وبيئةٍ مثقفة تدرك معنى الكلمة وتقدّر أثرها، مشيراً إلى أن ما شجعه على إقامة هذه المحاضرة الحاجة اليوم لنشر الضحك والفرح، بعد ما مرّ بنا من مآسٍ، ولابد لنا من استعادة نسيجنا الاجتماعي، من خلال جلسات الود والصفاء، وهو ما سيعيد دمشق لتكون منارة للبهجة.