أسعاره لا تتناسب مع التكاليف.. عدوى الاختناقات التسويقية تنتقل إلى الموز

الوحدة – نعمان أصلان

يبدو أن عدوى الاختناقات التسويقية للحمضيات في الساحل السوري ستصيب الموز، تلك الزراعة الاستوائية التي انتشرت انتشاراً واسعاً دون أن تكون مدرجة ضمن خطط وزارة الزراعة، ويأتي هذا الانتشار العشوائي الذي ابتعد عن إدارة وتنظيم الوزارة، نتيجة للأرباح الكبيرة التي حققها مزارعوها في بداية إنتاجها، وبدأت بالتنافس بعد انتشارها.
غير مدرج في خطط الزراعة
ومن المناطق التي انتشرت فيها هذه الزراعة منطقة جبلة التي بدأت تطفو على السطح شكاوى مزارعيها من انخفاض أسعار المنتج مقارنة بتكاليفه العالية، هذه الشكوى تزايدت بعد انخفاض السعر الذي نجم عن دخول المنتجات المنافسة من لبنان والصومال وحتى الأردن وتركيا إلى الأسواق السورية.
تابعت جريدة الوحدة واقع هذه الزراعة في جبلة، وكان لها لقاءات بدأناها مع رئيس دائرة زراعة جبلة المهندس باسل ديوب الذي أشار إلى أن عدد البيوت البلاستيكية التي يُزرع بها هذا المحصول ضمن النطاق الجغرافي لجبلة يصل إلى 947 ببتاً، وذلك وفقاً لآخر الإحصائيات الصادرة عن الدائرة، وقدرت الدائرة إنتاج تلك البيوت بـ 1331 طناً، على اعتبار أن إنتاجية البيت الواحد تصل بالمتوسط إلى 1.3 طن.
وأضاف م. ديوب بأن قرى إرشادية الراهبية هي الأكثر زراعة لهذا المحصول بواقع 212 بيتاً، تليها إرشادية الأشرفية بـ 120، ومن ثم إرشادية سيانو بـ 110 بيوت، في حين يتوزع العدد الباقي على الإرشاديات الأخرى التي تتبع لعمل الدائرة.
وبيّن رئيس الدائرة أن زراعة هذا المحصول غير مدرجة ضمن خطط وزارة الزراعة، وذلك لكون الظروف الجوية في سوريا غير مناسبة لزراعته، لا سيما وأنه يتأثر كثيراً بالصقيع، مشيراً إلى أن الأصناف التي تزرع في جبلة هي “كراند نان” و”كراند بي” التي تزرع في بيوت ارتفاعها 4 أمتار، والموز “الريحان” الذي يزرع في البيوت الزراعية العادية، إضافة إلى “الإيليت 3”.
أما تكاليف البيت الزراعي بطول 42 متراً، فقال م. ديوب إنها تصل إلى ما بين 8-10 ملايين ليرة سورية، متضمنة النايلون والحديد والشرائط وشبكة التنقيط وأجور الصب والتثبيت وغيرها، في حين يصل متوسط أسعار مبيع الكيلو في سوق الهال إلى 7 آلاف للأخضر غير المحمر، و 9 آلاف للأصفر.
خسارة بالصقيع
محمد حسن رئيس الرابطة الفلاحية بجبلة، قال بأن المزارعين خسروا فوجاً كاملاً من الموسم لهذا العام، وذلك نتيجة لموجة الصقيع التي حدثت في شباط الماضي، مشيراً إلى أن زراعة الموز لا تناسب الظروف الجوية في جبلة، وهو ما منع وزارة الزراعة من اعتمادها ضمن خططها، أما بالنسبة لأسعار المنتج، فإن الضمانة يضمنون الكيلو من الموز عن شجرته بما يتراوح بين 5-6 آلاف ليرة سورية.
انفتاح الأسواق خفض الأسعار
وفي لقاء مع مزارع لهذا المحصول، أفاد أبو إبراهيم علوش إلى أن بدايته مع هذه الزراعة تعود لعام 2023، حيث كان سعر الموز يصل إلى 14 ألف ليرة سورية، وهو السعر الذي حصل عليه لمرة واحدة فقط، فقد ساهم انفتاح الأسواق بعد التحرير في دخول الموز من العديد من الدول، مما أدى إلى انخفاض أسعار الإنتاج المحلي منه بشكل كبير، والتي وصلت إلى ما يتراوح بين 6-7 آلاف ليرة سورية، وهذا السعر معرض للانخفاض ربما بشكل أكبر مع دخول الموز اللبناني والتركي، الذي يتزامن مع موسم الحمضيات في الساحل السوري.
أسعار لا تتناسب مع التكاليف
وأضاف أبو إبراهيم أن هذه الأسعار غير متناسبة مع التكاليف التي يدفعها المزارع، والتي قدرها بـ 15 مليون ليرة لبيت يصل طوله إلى 50 متراً، حيث يتضمن هذا الرقم ثمن الحديد الذي يصل سعر المتر منه إلى 2000 ليرة، والنايلون الذي يصل سعر ربطة الوطني منه مع كفالة سنتين إلى 225 دولاراً، والتركي مع كفالة 3-4 سنوات إلى ما يتراوح بين 325-350 دولاراً، إضافة لتربة البازلت وشبكة الري الحديث التي يحتاج البيت إلى شبكة يصل طولها إلى 300 متر، سعر المتر الواحد منها إلى 200 ألف ليرة.
ويأتي بعد ذلك ثمن الغراس والسماد الذي لا يقل سعر الكيلو الأجنبي منه عن 35-40 ألف ليرة سورية، وأيضاً السقاية التي يجب أن تقدم كل 4 أيام بما يتطلبه ذلك من تكاليف طاقة، ومن ثم العبوات والنقل والكمسيون وغيرها من التكاليف الأخرى.
بعد الإشارة إلى أن الشجرة تنتج عنقوداً بوزن يتراوح بين 15-20 كغ في الموسم الواحد، الذي يتم في نهايته قطع الشجرة التي تعود للانبات في الموسم التالي، وهو الأمر الذي سمي الموز من أجله “يقاتل أبيه”.
وأشار أبو إبراهيم إلى أن أهم الأصناف التي يزرعها هي “الغراند” و”الإيليت”، مبيناً أن اقتراب الشتاء يستدعي تغطية إنفاقه بالنايلون، الذي يتطلب أموالاً تفوق مقدرته، مستطرداً: “سوف أغطيها ولو اضطررت للاستدانة، وذلك تجنباً للأضرار التي تحدث في حال حدوث صقيع كالذي حصل في شباط الماضي وأدى لإلحاق أضرار كبيرة بالفلاحين دون أن يتم دفع أية تعويضات عنها”.
بيئة غير مناسبة
وتأكيداً لما ذكره مدير زراعة جبلة، قال أبو إبراهيم: إن جبلة واللاذقية القريبتين من تركيا، معرضتان للصقيع الذي يكون أقل حدوثاً في بانياس وطرطوس ولبنان، لافتاً إلى أن الصقيع الذي حدث أثّر سلباً على محصول الموز الأخير، وكان بيعه سيتم بأسعار أفضل فيما لو كان في الصيف، وبعيداً عن موسم الحمضيات ودخول الموز اللبناني.
ودعا أبو إبراهيم في ختام حديثه إلى دعم مزارع الموز الذي يساهم في تأمين احتياجات السوق المحلية من المنتج بأسعار معقولة مقارنة بدخل المواطن، وبأسعار الفواكه الأخرى، وتقليل الفاتورة التي كنا سندفعها لاستيراد المادة من الأسواق الخارجية، ناهيك عن مساهمته في تأمين مصادر العيش الكريم لشريحة واسعة من المواطنين.
مليون شجرة منتجة
وأخيراً، نذكر بما صرح به للوحدة الخبير في الزراعات الاستوائية نادر صالح الذي قال: “كنا قد حذرنا من زراعة الموز كونه مادة مستهلكة، وكوننا بتنا نملك أكثر من مليون شتلة منتجة منه”، مؤكداً أن الإكثار من زراعة هذا المحصول سيجعله يتحول إلى علف للحيوانات، خاصة بعد أن تم تحرير السوق المحلية وبدء دخول الموز الصومالي إلى السوق السورية بكثرة وبأسعار أقل من الموز المنتج محلياً.
وفي رده على من يقول له: “إنك أنت من كنت تشجع على زراعة هذا المحصول”، بيّن صالح أن تشجيعه على تلك الزراعة كان عندما لم نكن ننتج منها كثيراً، وكان هذا التشجيع يؤكد على زراعة المادة بين الشجر وليس كزراعة كاملة، مبيناً أنه وعندما تم الاكتفاء الذاتي منها، كانت “دعوتي تتضمن التوقف عن تلك الزراعة المستهلكة للمياه وغير المناسبة مع البيئة السورية”.
وفي الختام
ومن خلال ما تقدم، نجد أن بوادر الأزمة التسويقية للموز قد بدأت تلوح، وأن تدخل وزارة الزراعة بات ضرورياً لتنظيم تلك الزراعة التي بدأت تؤثر بشكل سلبي على الكثير من الزراعات التي يحتاجها سوقنا المحلية، ولا سيما الخضار المحمية التي توفر احتياجات سوقنا المحلية وتدخل في قائمة صادراتنا إلى الأسواق الخارجية.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار