الوحدة – وداد إبراهيم
في اليوم العالمي للصيادلة لاتزال كلية الصيدلة من كليات القمة في سوريا في مثلث الرعاية الصحية، وعبر سنوات يتخرج المئات من حملة شهادة الصيدلة دون ربط حاجة المجتمع بعدد الخريجين في الجامعات عبر سياسة الاستيعاب وفق معدلات القبول والمفاضلة بالجامعات بين من اختار الصيدلة برغبة حقيقية وشغف، ومن تقبّل حظه، وربما إرضاء لأهله وثقافة مجتمع دون رغبة لندخل في نفق البحث عن فرصة العمل لدخول الحياة العملية، ولتشهد محافظة اللاذقية قفزات متتالية بانتشار الصيدليات ليتجاوز عددها 1000 صيدلية، وتتقلص المسافة بين صيدلية وأخرى إلى 50 متراً.
هناك صيادلة منذ سنوات اختاروا المهنة بحب وشغف حقيقي، ونجحوا بعملهم بظروف مناسبة ساعدتهم قبل أن تظهر تحديات وصعوبات اشتدت وتصاعدت في سنوات الحرب على المجتمع كافة، وانعكست سلباً على عمل الصيدلي ليقف حائراً كيف يتعامل بإنسانية مع زيادة الإرهاق المادي رغم الجدل الدائر بين الرفض والقبول بوصف مهنة الصيدلة بمهنة إنسانية – تجارية بعيداً عن التنظير.
تحديات وصعوبات تواجه الصيدلي هل يذللها تدخل الجهات المعنية؟
واقع العمل الصيدلي بعيداً عن النظرة المثالية المرجوة يعكس تحديات وصعوبات قابلة للتذليل بجهود الجهات المعنية، خصوصاً بعد سنوات الحرب وتداعياتها، هذا ما تم كشفه خلال لقاءات مع صيادلة من مدينة اللاذقية، حيث بدأت الصيدلانية نهلة قائلة: يدرس الصيدلاني دراسة علمية وافية، وبعد التخرج ينتقل إلى الحياة العملية، ويفتح صيدلية لتبدأ المعاناة للتمييز بين التجاري والإنساني في مهنته، فالمطلوب أن يكون إنسانياً فيها، لكن بالحياة الواقعية سيتوقف عند المصاريف وتكاليف الدفع لمستودعات الأدوية نقداً مع دفع فاتورة الكهرباء التجارية التي قد تصل إلى 500 ألف ليرة سورية رغم التقنين والضرائب المالية، إضافة إلى رأسمال قوي لإبقاء رفوف الصيدلية ممتلئة دون نقص، علماً أن الحرب تسببت بتدهور الوضع من خلال تأرجح أسعار الأدوية مما أدى إلى انخفاض مخزون بعض الصيدليات إلى أكثر من النصف متزامنة مع توقف شركات الأدوية عن سحب الأدوية منتهية الصلاحية ليقوم الصيدلي بإتلافها على حسابه مما يزيد خسارته رغم صدور قرار بإلزام شركات الأدوية باسترجاع الأدوية منتهية الصلاحية، وتحديداً ثلاث علب من صنف، لكن الشركات لم تلتزم بالقرار إلا ما ندر.
بينما الصيدلانية رنا بدت نادمة على اختيارها فرع الصيدلة بالجامعة بعدما دخلت الحياة العملية، ووجدت سوق العمل دون مردود مادي مرتقب يحقق لها العيش برفاهية كما كانت تظن، وتمنت لو توجهت إلى تعلم مهنة تتعلق بالتجميل لأنها تحقق مكسباً مادياً أفضل من وضعها حالياً، ولم تضيع سنوات بالدراسة، وبنهاية الحوار دخلت سيدة معها حفيدتها التي لم تتجاوز الست سنوات، وطلبت من الصيدلانية رنا فحص حلقها وحرارتها، ومساعدتها لعدم قدرتها المادية بدفع معاينة طبيب، وشرحت لها معاناتها بتأمين أدوية لأمراض مزمنة، واستجابت معها رنا بتعاطف إنسانية الصيدلانية، ونسيت عمل التجميل وندمها !
أما الصيدلاني علي الذي بدأ العمل بمهنة اختارها برغبة وشغف منذ ثماني سنوات أكد تراجع ظاهرة (المتصيدل)، وهو المتطفل على المهنة من غير أهل الاختصاص، وعملوا بالصيدليات لصالح خريجي كلية الصيدلة وحاجتهم للعمل ليشارك بصفة صيدلي مساعد لصاحب الترخيص مع عجز المئات عن افتتاح صيدلية خاصة بسبب التكاليف الباهظة، وحول الأدوية والأسعار أكد علي أن هذا العام شهد تحسناً والوضع مستقر نوعاً ما، والأسعار لم تتغير وشبه ثابتة، على سبيل المثال، أدوية الالتهاب تتراوح بين 20 و50 ألف ليرة سورية وغيرها من الأدوية، ونجد هذه الأرقام لاتزال مرتفعة قياساً بدخل المواطن الموظف مع زيادة الرواتب، حيث أصبح الأمر مقبولاً نوعاً ما، لكن لازال لا يوازي ارتفاع تكاليف المعيشة وحاجات المواطن، ومنها الرعاية الصحية، فصناعة الأدوية غير مدعومة، وفيما يخص جولات الرقابة على الصيدليات لتطبيق الشروط الفنية والصحية أشار علي إلى حرص غالبية الصيادلة على الالتزام بالشروط مع تجنب بعضهم استلام أدوية من شركات مثل القطرات العينية أو الأنسولين بسبب التقنين الكهربائي لاستحالة التبريد المطلوب، ولفت علي إلى المعاناة من خدمة الريف بقانون يعود إلى الخمسينات وبحاجة للتعديل لأنه يفتح باباً للفساد والاستغلال لأن الصيدلي بعد التخرج إذا أراد السفر يحتاج إلى ورقة حسن سيرة وسلوك، والنقابة لاتمنحه الورقة إلا بعد خدمة ريف لاتقل عن ثلاثة أشهر، فيضع شهادته كمساعد صيدلي دون دوام، ويدفع أكثر من مليوني ليرة سورية.
ورداً على سؤال حول قراءة الصيادلة لوصفات بعض الأطباء بخط حروفه هيروغليفية بحاجة خبراء لفك شيفرتها هنا شدد علي على ضرورة اهتمام الأطباء بالخط أكثر عند كتابة الوصفات لأنها قد تسبب خطأ ، مشيراً إلى وصفة وصلته عن دواء لايمكن تمييز بين ( سيفكس، سيلكس )، والفارق حرف واحد ومن الشركة نفسها مما دفعه لحوار طويل مع المريض ليعرف المطلوب، واستغرب علي ظهور شركات أدوية أنشئت لتعيد إنتاج ما هو متوفر، ولا تتجه لإنتاج أدوية نوعية مفقودة.
من جانبها الصيدلانية نرمين تحدثت عن ظاهرة تتسع وتتمدد متعلقة بطلب مواطنين استشارات طبية من الصيادلة، ووصف أدوية بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وموجات غلاء الأسعار لمواد معيشية تسبب عدم حالة استقرار مادي خصوصاً في الأحياء الشعبية، وسوء التغذية يسبب أمراض يفاقم مرض موجود، وهناك من يحتاج أدوية لأمراض مزمنة، حيث تكلف المريض بين 100 إلى 200 ألف شهرياً بنسب قد تزيد تصاعدياً أو تنقص مع ضعف قوة شرائية، وعدم وجود سيولة للرعاية الصحية، علماً أن هامش ربح الصيدلي من الدواء 20%، لكن التسعيرة وفق شرائح كلما ارتفع السعر انخفض هامش الربح، وهنا ننقل مطالبة الصيادلة برفع هامش ربح الصيدلي، وليس رفع سعر الدواء، ويذكر أنه تم سابقاً رفع سعر الدواء بنسبة 25% كانت لمعامل الأدوية 20%، وللصيادلة 5% بعد الاحتجاج على رفع الأسعار تم إلغاء نسبة الصيادلة، والإبقاء على نسبة المعامل.
منافسة كبيرة بين شركات الأدوية تمّهد لاستعادة ألق الدواء السوري
بعيداً عن الدعاية هي صدفة لقاء مندوب الشركة في إحدى الصيدليات، وكان لقاء مع مدير مركز بيع شركة (ألفا) للأدوية عبدالله البوز في مقره ليتحدث، مؤكداً نجاح صناعة الدواء السورية منذ عشرات السنين، ووصولها إلى دول عديدة بسبب فعاليتها وسعرها المناسب، مشيراً إلى وجود نحو 60 شركة لصناعة الأدوية، فيما الشركات المسيطرة على السوق لا تتعدى 12 شركة، وهذا يخلق منافسة بين الشركات لتسويق منتجاتها بجودة عالية مع دخول شركات جديدة من إدلب مما زاد المنافسة، ولفت إلى أن شركة (ألفا) بدأت عملها منذ التسعينات، ومقرها في محافظة حلب، وهي شركة متخصصة بالصادات الحيوية، إضافة إلى أدوية أخرى، وبما أن كل شركة تتميز عن الأخرى بمصدر المواد الأولية، فإنّ شركتنا هي الوحيدة الحاصلة على شهادة (داكس) الألمانية مع شهادات أخرى، وتؤكد على جودة المواد الأولية، وتخضع للرقابة ولاختبارات فيزيائية وكيميائية منذ دخولها المعمل وصولاً إلى يد المريض، ولفت البوز إلى أن الشركة أوقفت إنتاج بعض أنواع الأدوية لأن تكلفتها أعلى من تسعيرة وزارة الصحة، والشركة تطرح منتجاتها في السوق السورية مع التصدير إلى دول عدة.
وفي إشارة للصعوبات التي تواجه عمل الشركة أوضح البوز أنها تتمثل بارتفاع الضرائب على المعامل والشركات، وارتفاع تكاليف الإنتاج لصناعة الدواء، والتي لا تقتصر على المواد الأولية التي تعاني ضعفاً بسبب العقوبات، وضعف القوة الشرائية في حركة السوق لضعف السيولة، ورداً على سؤال حول عدم سحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات أكد أن شركة (ألفا) من الشركات النادرة التي تلتزم بسحبها، وتحسم من فاتورة الصيدلي، والحكم في ذلك الصيادلة.
عمل الرقابة الدوائية يحكمه الأنظمة والقوانين
أوضحت الصيدلانية عفراء ماوردي رئيسة دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة اللاذقية أن عملهم يبدأ بمراقبة الشروط الفنية والصحية للصيدليات وشروط حفظ الأدوية، ومراقبة شراء وتسجيل بيع الأدوية والنفسية، والأدوية المهربة إن كانت موجودة وتواجد الصيدلي على رأس عمله، وتقوم الدائرة بجولات دورية، وترفع التقارير إلى الوزارة، وبالنسبة للمستودعات مطلوب منها شروط معينة فنية وصحية لحفظ الأدوية من درجة حرارة ورطوبة، ورفع الأدوية على الرفوف، وعدم التعرض للشمس، إضافة إلى تجديد ترخيص الأدوية النفسية بشكل سنوي، وتوثيق حركة البيع والشراء لهذه الأدوية، أما في مراقبة المعامل تتم مراقبة مراحل تصنيع الدواء، وتطبيق شروط الجودة GMP، كما نأخذ عينات من المواد الأولية، ومن المستحضرات الدوائية الجاهزة، ويتم إرسالها إلى الوزارة للتأكد من فعاليتها، وإذا كانت مخالفة لا يتم طرحها بالأسواق وتتلف، وكذلك يتم سحب ما تعرض للتخريب في الصيدليات من الأسواق بعد تحليله في الوزارة، وتتابع الرقابة الدوائية حالات التحسس المتكررة لبعض الأدوية عن طريق التيقظ الدوائي، وفي صعيد متصل لكن يتعلق بتحديد أسعار الأدوية، فهذا يتم من قبل لجنة خاصة موجودة في الوزارة، وفيما يخص إتلاف الأدوية منتهية الصلاحية أشارت ماوردي إلى أن إتلافها يتم بواسطة لجنة مختصة مؤلفة من عدة جهات موجودة بالمحافظة، بينما الأدوية النفسية يتم إتلافها من قبل دائرة الرقابة الدوائية، وبالنسبة للإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها تجاه الصيدليات والمعامل والمستودعات المخالفة أكدت وجود مجموعة من الإجراءات، ولكل مخالفة معينة إجراء خاص فيها يحدده مرسوم وزاري موجود،
وحول ضبط الأدوية المستوردة لفتت إلى أن هذا الموضوع كان بالبداية يقتصر على الأدوية التي ليس لها بديل وطني بينما حالياً يتم التشجيع على الاستيراد لكن ضمن ضوابط محددة، بينما إذا وجدت أدوية مهربة في الصيدليات أو المستودعات تتم مصادرتها وإبلاغ الوزارة ثم إتلافها. وبالعودة إلى أهم شروط ترخيص صيدلية قالت ماوردي: من أهم الشروط الصحية والفنية المطلوب توافرها في جميع الصيدليات يجب أن لا تقل مساحة الصيدلية عن 22,5 م، والمسافة بين صيدليتين لاتقل عن 50 متراً مع توافر شروط التخزين الضرورية للأدوية من حيث الحرارة والرطوبة والإضاءة، إضافة إلى وجود رفوف براد مكيف، أما اللوحة فوق واجهة الصيدلية يجب أن لايقل طولها عن 180 سم وعرضها عن 45 سم، وعليها اسم الصيدلي وشارة ضوئية تمثل شعار الصيدلية.
وعود بحلول للصعوبات من نقابة الصيادلة
بدأ أمين سر نقابة صيادلة اللاذقية الصيدلاني ناصر ديب بتوصيف المهنة على أنها مهنة طبية أخلاقية ذات طابع تجاري، مشيراً إلى أن هدف مجلس النقابة والمشكل حديثاً في شهر نيسان لعام 2025 إعادة ضبط المهنة قانونياً وأخلاقياً من حيث التزام الصيدلي بالتواجد في صيدليته، وصرف الدواء حسب القوانين والأنظمة المرعية، وفيما يخص قانون خدمة الريف كشف ديب عن عن وجود نقاشات على مستوى وزارة الصحة والنقابة المركزية لإعادة صياغة قانون خدمة الريف بما يكفل مصلحة الصيدلي، وتخديم المناطق الريفية صحياً. أما مايتعلق بمعالجة قضية سحب الأدوية منتهية الصلاحية من قبل مستودعات الشركات أوضح ديب أن الأدوية النوعية كأدوية السكر- القلب هذه الأدوية مسؤولية المعمل المنتج لها من حيث تسويقها عند الأطباء، لذلك وجب على الشركة المنتجة عن طريق وكيل التوزيع المعتمد تبديل العلب المنتهية الصلاحية بتواريخ جديدة، وتحدث ديب عن خيارات الصيدلي في العمل مابعد التخرج لتتنوع بين العمل في صيدلية مجتمع أو مندوب علمي لشركات الأدوية، وخيار متابعة دراسات عليا جامعية، أو مدير خط إنتاج في شركات الأدوية.

