* بين مطرقة الدروس الخصوصية وسندان المصاريف.. الأهالي يتكبدون الأعباء

الوحدة – سناء ديب – يارا السكري – بتول حبيب- تغريد زيود 
أثقلت كلفة الشهادات الثانوية والإعدادية بأعبائها المادية كاهل الأهالي، فيما تحولت المعاهد التعليمية إلى مشاريع تجارية رابحة، غايتها الأولى والأخيرة كسب المال، مُحاولةً أن تحل محل المدرسة، شاء من شاء وأبى من أبى.
ولكن الطامة الكبرى تتمثل بعدم التزام هذه المعاهد بالأسعار التي حددتها وزارة التربية والبالغة مليوني ليرة سورية داخل المدينة للشهادة الثانوية وللمنهاج بالكامل، وفي الريف حددتها الوزارة بمليون و٧٠٠ ألف ليرة،  فالسؤال المطروح: من يلتزم بهذه الأسعار؟ والإجابة للأسف أن أحداً لا يلتزم، بل إن هذه المعاهد تتجاوز التسعيرة الرسمية فتتقاضى عن المادة الواحدة ما يقارب مليوناً ومئتي ألف ليرة وليس عن المنهاج كاملاً، ضاربة قرارات الوزارة عرض الحائط.
والوقوف على هذا الموضوع والتعرف على سبب الفجوة الهائلة بين الأطراف المعنية من  مديرية التربية باللاذقية والمعاهد التعليمية الخاصة وكذلك الأهالي، كان التقرير التالي.
بداية التقت جريدة الوحدة بعدد من أولياء الأمور الذين كشفوا عن واقع مرير يعيشونه، مُعبّرين عن استيائهم لواقعهم.
تبدأ السيدة أم حسن من ريف اللاذقية والطالب الأوسط لها في الثانوية العلمية، سرد معاناتها قائلة: “ابتدأ ابني من الفصل الثاني الماضي بالتسجيل في معهد خاص، ليس لتعلم الجديد فحسب، بل لمراجعة مناهج الصفين العاشر والحادي عشر، وذلك بسبب تسلسل المعلومات وضخامة المنهاج الحالي، الذي يحتاج لتركيز هائل”.
وتؤكد أم حسن حرصها الشديد على مستقبل ابنها، رغم أن “مصروف الدروس يستهلك ثلاثة أرباع الراتب، إن لم نقل معظمه، إضافة إلى أجور المواصلات المرتفعة، خاصة لأبناء الريف”، مضيفة: “تخلّينا هذا العام عن كل أولويات البيت والعائلة لصالح الدروس، كونه عاماً مصيرياً”.
وعن الحل من وجهة نظرها، ترى السيدة أن الحل يبدأ من المدرسة، موضحة: “كان من المفترض على المدارس إلزام المعلمين والطلاب بالحضور، فغالباً ما يأتي المعلم ولا يأتي التلميذ، أو العكس، خاصة في الريف نتيجة البعد وعدم توفر المواصلات. هذه اللامبالاة أوقعتنا في فخ المعاهد الخاصة”.
وكشفت عن الأسعار الفلكية التي تدفعها: “أدفع لابني 15 ألف ليرة للحصة الواحدة في الفيزياء، ومثلها للعربية، و10 آلاف للإنكليزي، و7 آلاف للعلوم  وكل مادة ضمن مجموعة من عدة طلاب”.
من جهته، يرى السيد وليد والد لطالب شهادة ثانوية في ريف اللاذقية أن الأمر لم يعد اختيارياً، بل أصبح إجبارياً. وقال: “المناهج أصبحت معقدة، والمدرسة وحدها لم تعد تكفي”. وأكد أنه يدفع أكثر من نصف راتبه الشهري لدروس ابنه في المعهد، عدا عن مصاريف الكتب والدفاتر والمواصلات، فالمعاهد تأخذ أقساطها بالشهر بعد دفعة أولى تمثل ربع القسط الكامل، وتتقاضى شهرياً ١٠٠ ألف على الأقل فحبذا لو التزمت تلك المعاهد بتسعيرة الوزارة.
وتصف السيدة فاتن والدة طالب شهادة إعدادية الدروس الخصوصية بـ”الوباء الاجتماعي يرهق كاهل الأهالي مادياً ومعنوياً. وتقول: “الأسعار خيالية، ونضطر لدفعها بسبب صعوبة المناهج والانقطاع المبكر في المدارس، مما ساهم في تفاقم الأزمة. نحن بين نارين: نار الواجب تجاه أبنائنا، ونار أسعار هذه الدروس التي تحرمنا من لقمة عيشنا”.
وتتمنى فاتن من المدرسين “القيام بواجبهم مع مدارسهم، وإنهاء المنهاج خلال الدوام المدرسي، وإيصال المعلومة كما يفعلون في الدرس الخصوصي”، داعية إلى تعزيز المدارس بكوادر تعليمية خبيرة..
أما السيدة ريم لديها ولد يستعد للشهادة الثانوية وباشر بالدروس منذ الفصل الثاني للعام الدراسي السابق فترى أن هذه الدروس، سواء في المعاهد أو ضمن مجموعات، “لم تعد رفاهية، بل ضرورة ملحة في ظل تراخي دور المدرسة، وعدم التزام الطرفين: المدرس والطالب”.
وتستهجن ريم الأسعار الفلكية التي تضعها المعاهد ضمن مدينة اللاذقية والتي وصلت لبعض المواد إلى مليون ونصف لإنهاء مادة واحدة فقط، فما بالكم بخمس مواد أساسية سيصل مجموعها إلى أكثر من خمسة ملايين، ضاربة تلك المعاهد قرارات الوزارة عرض الحائط دون رقيب أو حسيب.
المشهد اليوم لا يحتمل التأويل، فالأسر تُجبر على خوض غمار هذا المعترك المالي تحت وطأة الخوف على مستقبل أبنائها، وتراجع دور المدرسة الرسمية، الأسعار التي تُذكر ليست مجرد أرقام، بل هي قصة حرمان من أبسط الحقوق، وإعادة ترتيب قسري لسلم الأولويات الأسرية.
*المعاهد الخاصة.. أذن من طين وأخرى من عجين
أصدرت وزارة التربية قراراً يلزم المعاهد بوضع تسعيرة معينة للدورة الصيفية والشتوية، كما حددت أسعاراً للفرعين العلمي والأدبي والشهادة الإعدادية بما يتناسب مع الجهود المقدمة. ولكن كان للمعاهد رأيٌ آخر، من هنا، التقت صحيفة “الوحدة” عدداً من مالكي المعاهد، فكان الآتي:
تؤكد تصريحات مالكي المعاهد الذين رفضوا نشر أسماء معاهدهم أن الأسعار فيها لا تختلف بين الدورة الصيفية والشتوية، إلا في حال تغير سعر صرف الدولار، كما أنهم يراعون أسعار التسجيل في المعاهد المجاورة، فإذا كانت مماثلة، يتم التثبيت على هذا السعر، كون الطالب يبحث دائماً عن فروقات الأسعار، ويختلف سعر تسجيل المنهاج كاملاً عن سعر تسجيل مادة واحدة أو ثلاث مواد.
أحد مالكي المعاهد الخاصة وصف الأسعار الصادرة عن الوزارة بأنها “غير منطقية وخيالية لا تلامس الواقع”، حيث يرون أن هذه التسعيرة لا تتناسب مع السوق. فعلى سبيل المثال، حددت الوزارة للفرع العلمي مليوني ليرة، وهو سعر “غير منطقي” كون المدرس لا يرضى بهذا الدخل. فالمدرس، كأي مواطن أو تاجر، لديه جهد وتعب يقدمه في حصصه، ولديه مصاريف كأي منزل سوري. فلماذا ترتفع الأسعار في كل مكان، كالمواد الغذائية مثلاً، ويكون الوضع طبيعياً، في حين يجب أن تكون تسعيرة العلم منخفضة؟.
من جهة أخرى، أوضح مالك معهد آخر أن هناك إمكانية لتقسيط الأسعار في المعاهد، حتى يتمكن الأهالي من تسجيل أبنائهم. ففي حال كانت الدورة تستمر لتسعة أشهر، يدفع ولي الأمر 200 ألف ليرة كل شهر، وهذا يعتبر نوعاً من التسهيلات.
وحول سبب ارتفاع الرسوم، يشيرون إلى أن شهرة المدرس تلعب دوراً قوياً في اختلاف الأسعار، فقد يطلب مدرس كفء مثل X مليون ونصف على مادته، كما أن بعض الأهالي يدفعون مبالغ كبيرة لوضع أبنائهم عند مدرس معين، لأنه يعتبر مشهوراً وله دور في تحصيل أبنائهم العلم، وهذه المعلومة ليست صحيحة بالمطلق، فهناك مدرسون أكفاء لم يسلط الضوء عليهم بعد.
ورداً على قرار الوزارة بتحديد أقساط المعاهد، عبر أصحاب المعاهد عن رجائهم بأن تلتفت الوزارة إلى المدارس الخاصة وليس فقط المعاهد
التي فاق التسجيل فيها الخيال من حيث الرسوم، ومن المهم مراقبة أداء هذه المدارس وتقديم الدعم فيها، حتى لا يتوجه الطالب للمعاهد. ومن المهم أيضاً زيادة رواتب المدرسين، كي لا يضطروا لتوجيه الطلاب للدروس الخصوصية بهدف الاستفادة منهم، وعدم تقديم خبراتهم في المدارس.
هل تحولت المعاهد التعليمية الخاصة من رديف إلى بديل؟!
التعليم الخاص أنشئ ليكون مكملاً ورديفاً اختيارياً للتعليم الحكومي، وليس منافساً له، وبما أن الدولة تمنح هذه المعاهد ترخيصاً للعمل فعليه وبالمقابل وجب على هذه المنشآت التعليمية الالتزام التام بالمعايير والأنظمة النافذة سواء تجاه الطالب وذويه أو تجاه الدولة والجهة المنظمة كمديرية التعليم الخاص.
هنا نتوقف عند دور ومسؤولية دائرة  التعليم الخاص في تربية اللاذقية، حيث أوضح رئيس دائرة التعليم الخاص رائد زهرة لصحيفة الوحدة أن المخابر اللغوية (المعاهد) تلتزم بإقامة دورات لغات أجنبية، حيث يسمح لها وفق البلاغات الوزارية بإقامة دورات تعليمية لشهادتيّ التعليم الأساسي والثانوية العامة، كما تلتزم بالدوام المسائي بعد الساعة الثالثة عصراً أثناء العام الدراسي، ويحق لها الافتتاح ضمن الفترة الصباحية حصراً ضمن العطلة الصيفية، مشيراً إلى متابعة عمل هذه المخابر عبر تقارير الموجهين الاختصاصيين المكلفين بالإشراف على هذه المخابر واللجان المختصة، وذلك وفق القوانين والبلاغات الوزارية.
وفي معرض رده على سؤال يتعلق باستجابة المديرية لشكاوى وعوائق العمل الناجمة عن بعض القوانين والتشريعات التي تحتاج إلى تعديلات من شأنها أن تعزز عمل هذه المعاهد لتقوم بالدور المنوط بها على أكمل وجه، أشار مدير دائرة التعليم الخاص إلى الاقتراحات المقدمة لوزارة التربية والتعليم من قبل مديرية التربية في اللاذقية والتي تتضمن السماح للمدرسين داخل الملاك بالعمل ضمن المخابر اللغوية في الفترات المسائية حرصاً على مصلحة المدرسين، نظراً للواقع المعيشي الصعب على أن تقدم نسبة مالية من عملهم لصالح مديرية التربية، أيضاً يشمل الاقتراح زيادة القيمة المادية للغرامات المالية وتشديد العقوبات وتحويل المخالفين إلى القضاء حال تكرار المخالفة، كما تم اقتراح إعادة تفعيل التراخيص المؤقتة في مناطق السكن العشوائي والتي لا توجد فيها رخصة بناء وفق شروط الترخيص المنصوص عليها في التعليمات التشريعية للمرسوم التشريعي رقم 55 للعام 2004، ما يسهم في حل معضلة تؤرق أصحاب هذه المنشآت كما الطلاب وذويهم.
وعن دور الدائرة في متابعة الشكاوى والمخالفات وبحسب زهرة فقد تمت مخالفة مجموعة من العقارات غير المرخصة بلغت نحو 15 مخالفة، حيث تم تنظيم ضبوط أصولية بحق المخالفين وصدرت بحقهم غرامات مالية وتم إغلاق العقارات إدارياً، إضافة إلى فرض مجموعة من العقوبات بحق المؤسسات التعليمية المرخصة والمخالفة للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 وتعليماته التنفيذية لعام 2016، مضيفاً أن العقوبات تدرجت من عقوبات الإنذار
وصولاً إلى التعويض مقابل الضرر.
كما غُرّمت بعض المخابر اللغوية (المعاهد) بغرامات مالية وصلت إلى 11 مليون ل.س، وصدرت عقوبة إغلاق إداري لهذه المخابر  لمدة ثلاثة أشهر.
وفي النهاية الحلول ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة حقيقية. إنها معادلة تحتاج إلى طرفيها: رقابة صارمة على استغلال المعاهد، ووضع سقف لأسعارها، وإصلاح جذري للترهل في التعليم الحكومي، يعيد له هيبته وكفاءته، ويضمن وصول المعلومة للطالب خلال الفصل الدراسي، ليكون اللجوء إلى الدروس الخصوصية خياراً، وليس إجباراً، للبعض، وليس للكل.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار