بوحٌ شعريٌّ مرهف .. البيت الأوغاريتي يمتلئ بالياسمين السوري

العـــــدد 9415

الخميـــــــس 29 آب 2019

 

في أوغاريت وبيتها التقت الأبجديات بأزمانها الممتدة إلى مدى من تاريخ وتواريخ، تجمع حقائب من حبّ وحرب، من شغفٍ وَوَلَهٍ، حكايات أرضٍ سطّرتْ سفن غاصت في إبحارها داخل الروح وخارجها على هذا الكوكب وسمائه، غيومه أبتْ عدَّ السنين وما زالت تمطر أرضها حروف من أبجديتها وأبجديات كنا فيها نحن الاسم والفعل .. وكيف إذا امتلأت ساحات أوغاريت بالياسمين وبوحه العاشق!! وتعطرت الفضاءات بعبير اللقاء .
في لقاء من المحبة جمع عديداً كثيراً من الأدباء والشعراء لملتقى (حديث الياسمين) مع ملتقيات أخرى كملتقى (أوتار) ومؤسسه مخلوف مخلوف و(ملتقى بكسا) ومؤسسته أمل لايقة وملتقى (الشراع) وضيوفاً سوريين من مختلف المحافظات وعاشقين لسورية من أشقائنا العرب، صار فيها للغناء صدى آخر, وهمس وصل للقمر، فتلك الأصوات التي اجتمعت في تظاهرة أدبية لافتة ومميزة في قرية ابن هاني في مقهى (البيت الأوغاريتي) فاختلط الصوت الفينيقي مع شموسه ووشم أبجدية جديدة عنوانها دفء ومحبة وسلام هو عنوان سورية أبداً.
لفيف ضمّ بعضه مع قلبه وشدا فيضاً من إحساس على مدى ثلاث ساعات وأكثر في جوار البحر، أرسل رسائله إلى السماء علّها تصل، وستصل بالتأكيد لأن القلب ما كذب به أبداً، فهذه المجموعة صورة عن سورية بشكلٍ مُصغّر بكافة أطيافها الجغرافية والفكرية والعقائدية، هي تلاوين أضحت كرنفالاً للتآخي، ومنبراً للسمو في تلاقيها الذي ضمّ أكثر من 20 شاعراً وشاعرة من مختلف المحافظات السورية بحضور محمد الدمشقي مؤسس (حديث الياسمين) القادم من دمشق الذي افتتح الملتقى بكلمة ترحيبية وقرأ بعضاً من أشعاره تلاه الشاعر زكريا عليو مسؤول الملتقى في اللاذقية الذي قال عن هذا الملتقى: (إنه يمثل سورية المحبة، ومن خلال هذا الملتقى ننسى ألواننا ونتوحد بلون واحد هو الأبيض لون قلوبنا وآمالنا، ودائماً هو اللون السوري الأجمل) كما قرأ بعضاً من أشعاره، وشارك الأديب مخلوف مخلوف وأمل لايقة وفاطمة سليطين ورغد اسليم ونداء قرحيلي وعبير نديم سعود ووفاء سليطين وإلهام عبود وخالد بيطار وأحمد كنعان ولميس الصالح ورانية فتوح أيضاً ببعض من قصائد شعرية ووجدانية، تنوعت في أشكالها: طبيب جراحة عظمية د. باسل الشيخ ياسين ومجموعة من قصائد غاصت حتى العظم في وجعها، كما كان للشعر المحكي ضيفه عندما شدا صوت الشاعر (حسن النهار) ببعض من البوح باللغة المحكية، وتزين الملتقى بضيوف شاركوا ببعض من القصائد الشعرية كالباحث والمؤرخ (محمد حمزة الكيلاني) والمدرس المتقاعد (خالد بيطار)، هو المربي الفاضل الذي كان في السابق أستاذ لبعض الشعراء الموجودين، وفاض الجوّ عروبة بمشاركة الشاعرة (قمر صابوني) القادمة من بيروت حين تغنتْ ببعض من قصائدها الشعرية.

في جوّ مشحون بالشعر كان لابدّ لنا من اقتناص بعض وقته وفيض من بوح مع محمد الدمشقي مؤسس هذه المجموعة الكبيرة بعددها ورقيّها حيث تأسست هذه المجموعة في 11 شباط 2014 على الفيس بوك، أسسها محمد مدخنة الملقب بـ (محمد الدمشقي) شاعر سوري من دمشق له ستة دواوين شعرية مطبوعة متنوعة بين العمودي والحر والنثري، وله مجموعة من الدراسات النقدية أشرف على إنجاز ثمانية دواوين مشتركة مطبوعة باسم حديث الياسمين، هذه المجموعة لمها حسّ الحرف والشعور بما يجري على أرضٍ عربية ليتوسع نشاطها بقصيدة تلاقي القصيدة في عناق أدبي يحمل الراية والهدف والملتقى لتتوسع ويصير لها فريق إداري تأسيسي وبقيت سنتين على الفيس بوك تضم على فضائها الأزرق مختلف الشرائح الاجتماعية من الأطباء والصيادلة والمهندسين والمعلمين والضباط والعسكريين والطلاب والعمال والفلاحين والتجار وكل الشرائح الثقافية والاجتماعية والكل تحت لواء الشعر والحب والياسمين..
* ما ترتيب هذا اللقاء بالنسبة للقاءاتكم الأدبية في اللاذقية وخارجها؟
في اللاذقية هذا هو اللقاء الأول الذي يجمعنا بشكل رسمي، كانت هناك لقاءات عديدة مع العديد من الزملاء الشعراء من مجموعة حديقة الياسمين الذين تألقوا على المنابر، فهذا هو الملتقى السادس، أقمنا خمسة ملتقيات سابقة لكن هذا اللقاء هو الحلم الذي تمنيناه وأصبح حقيقة وجمعنا بشكل رسمي هنا في اللاذقية، وستكون لنا لقاءات في ملتقانا قريباً في طرطوس وفي السويداء.
* كيف تمّ التنسيق لهذه الفعالية وجمع هذه الأعداد الكبيرة من شعراء حديث الياسمين وغيره من الملتقيات الأخرى؟
التنسيق تمّ عبر مجموعتنا (حديث الياسمين) بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، كانت لنا مراسلات وتحضيرات لهذا اللقاء بجهود زملائنا في الإدارة والحمد لله تمّ هذا اللقاء بمساعدتنا لبعضنا ووقوفنا جنب بعضنا فنحن نؤمن دائماً بالعمل الجماعي المثمر، الذي أدى إلى هذه الفعالية الناجحة.
* الشعر عند العرب هو أقدم لغات التعابير والأجناس الأدبية، ومع تغير الظروف مازال مستمراً إلى يومنا هذا، مع وجود وتطور أجناس أدبية أخرى، كيف تفسر استمرار الخطاب الشعري العربي؟
الشعر هو ديوان العرب، ويبقى الشعر رسالة المحبة وفكراً نيّراً وإحساساً جميلاً، الشعر هو من الشعور وطالما بقي الشعور وبقيت المحبة وبقي الإحساس سيبقى الشعر لأنه تعبير نظيف عن الإنسان، هو خروج عن غبار التعابير والأحاديث العادية، هو حديث أكثر عبرة وبقاء ونقاء في العموم.

 

* الملاحظ وجود مشاركة عربية قادمة من لبنان، حديث الياسمين يجمع الكثير من الشعراء العرب مع الشعراء السوريين الموجودين من مختلف المحافظات، هل مازالت لغة الضاد تجمعنا فعلاً؟
نعم لغة الضاد مازالت تجمعنا، لكنها لا تكفي, ولكن كشعوب ما زلت أثق بأن الشعوب العربية ماتزال يجمعها الشعر ويجمعها المحبة رغم بعض المنغصات التي سببها ما يجري حولنا من أمور خارجة عن إرادتنا، ويبقى ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا كاللغة أولاً والمحبة وإن كانت بشكل متفاوت ونحن لنا امتداد عربي جميل وخاصة في العراق ولبنان وتونس، هذه الدول التي لها مواقف جيدة عربياً ودولياً، وما يميزنا أننا منفتحون على كل إنسان نقي وشريف ويحب سورية.
* من موقعك كشاعر ومسؤول عن ملتقى شعري مميز, ما تقييمك للحركة الشعرية الحالية؟
حقيقة هناك أقلام وإمكانيات جميلة ومواهب رائعة لكن هناك فوضى هذه الفوضى سببها دخول متسلقين إلى المنابر والساحة الأدبية إن صحّ التعبير، ووجود قنوات لهم ووجود فوضى في إدارة هذه الفعاليات، لا نستطيع أن نقول أنّ هذا الأمر يمكن أن نتجاوزه بسهولة لأنه أمر موجود بسبب الإعلام المفتوح عبر الفيس بوك وبوابات الانفتاح الكبيرة، وبرأيي لا يصحّ إلاّ الصحيح للمتميز والمبدع، ورغم كل الظروف تبقى الحركة الأدبية في سورية خاصةً لها حضورها وكلمتها الصادحة المميزة.
* في زمنٍ, من حربٍ مؤلمة على سورية، وصوت عالٍ من الرصاص، كيف يمكن للغة الشعرية أنْ تصمد أمامه؟
الكلمة بالنهاية هي سلاح فاعل وهي عندما تكون صادقة تكون فارقة لأجل الحقّ، وبرأيي نحن أمام حلّين، الحلّ الأول أن نصرخ ونطالب بالحق ونقف مع الوطن، وأن نكتب للحب لأننا بحاجة إلى ثقافة الحب، بحاجة إلى ثقافة تعيدنا من هذه الحالة الطارئة المؤلمة على بلدنا نحو المحبة، لأن الحب يمنحنا رقةً ولطفاً في التعامل مع بعضنا وليس فقط مع من نحبّ، وهذا ما يجب أن نسعى إليه ونمضي في الطريق الشعري الإنساني الوطني المقاوم وشعر الحب والغزل لأننا بحاجة إلى ثقافة الحبّ.
* في عصر السرعة وتخطي الخطوط الجغرافية, وسيطرة ثقافة رأسمالية الكترونية، الشعر العربي ما مقومات صموده وبقائه؟
الشعر حقيقةً يعرف كيف يدافع عن نفسه، فالشعر طوال هذه الفترات التي مرّتْ الماضية وما تعرضنا وتعرض معنا الشعر لكبوات وهزائم وأمور سوداء كثيرة ولكن بقي الشعر، لأن الشعر هو مشعل نور الإنسان، ويعرف كيف يدافع عن نفسه وكيف ينقّي أجواءه ليستمر.
* ما آمالكم على صعيد مجموعة حديث الياسمين أو على نطاق أوسع محليّ وعربي وإقليمي؟
منذ أن أسسنا حديث الياسمين كان هدفنا أن يكون صوت المحبة وخطوة لتلاقي السوريين والعرب في جوّ نظيف تسوده المحبة والنقاء، وأمنياتي أنْ يستمر في هذا العطاء وأن يتألق أكثر وأكثر في ملتقيات أخرى.
* كم كتاب طُبِعَ لـ (حديث الياسمين)؟
طبعنا ثمانية أجزاء من الديوان المشترك، كل سنة نطبع جزءاً أو جزءين أو ثلاثة حسب عدد المشاركين، هذا العام طبعنا ثلاثة أجزاء (السادس والسابع والثامن) بمشاركة قياسية تبلغ حوالي 65 شاعراً وشاعرة من مختلف المحافظات السورية ومختلف البلدان العربية كتونس ولبنان والمغرب ونحن عازمون على أنْ نواصل هذه الخطوات وأن نطبع هذا العام أيضاً ديواناً باسم حديث الياسمين يفيدنا في تأريخ هذه المجموعة وتوثيقها وبقائها في القلوب دائماً.
* بقاء حديث الياسمين بماذا موصول؟
بقاؤه موصول بأن يبقى ياسميناً، أنْ يبقى ناصع البياض وتبقى المحبة هي الإطار الذي يجمعنا بإنسانية ودائماً أقول بالشاعر الإنسان، فإنساننا داخل أسرته الخاصة والعامة، وهذا هو الذي يضمن لنا ولغيرنا البقاء والاستمرار.
ومع الشاعرة (قمر صابوني) القادمة من لبنان كانت لنا خطفة سريعة من وقت:
* وأنت القادمة من لبنان، ما تعني لك هذه المشاركة وماذا تضيف؟
مشاركتي في هذه الأمسية وعشقي للحرف والشعر والهوى الذي أعيشه، وانتمائي لمجموعة (حديث الياسمين) شجعني لأكون هنا في سورية لأن الشعر وهذا الملتقى جعلنا أسرة واحدة، أشارك بها أخوتي العرب في لقاءاتهم وبوح قصائدهم ورؤاهم، وجودي في كل بلد هو عشقي للشعر وللقاء الروحي مع الزملاء والإخوة العرب.
* هل ما زلنا كعرب تجمعنا هذه اللغة كما تجمعكم اليوم؟
نعم، ما زلنا كشعوب عربية نجتمع وقد ترجم هذا وسائل الواصل الاجتماعي التي أظهرت هذه الحالة، وأنا موجودة هنا مثال للقاء في سورية الحبيبة، ولغة الشعر هي فاعل قوي في هذا الجمع، فالشعر كان ومازال لغتنا التي نعبر عنها، ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلداننا العربية فالكلمة مازالت قوية وتوازي كل قوة أخرى، فالكلمة سلاح قويّ وفاعل في كل عصر ولكل الشعوب، هي الصلة والوصل.
(البيت الأوغاريتي) مُقام على أرض أوغاريت الضاربة في القدم، عنه حدثنا مالكه (زكريا) فقال: (هذا البيت عمره مائتا عام وأكثر، يتجدد كل فترة معمارياً لكنه ما زال يحمل أوغاريت نفسها بروحها وحضارتها الفينيقية، فالفينيقيون هم من اخترع الأبجدية ونشرها عن طريق الإله (يم) ووصلت حضارتهم ليكتشفوا أمريكا نفسها، فهم أول من أبحروا حول رأس الرجاء الصالح العصي على كل من حاولوا بسبب اختراع السفينة الفينيقية، ليصلوا العالم ويضعوا ملوكهم على كل جزر المتوسط، وهم أول من اكتشف الأورجوان، والأنسجة المدبوغة والزيوت والخمور, ويستقبل هذا البيت الأدباء والشعراء دائماً في محاولة لاستنهاض الروح الوطنية والروح السورية بإبداعاته وبجماله وبحبه للحياة وبمهاراته العالية، هذا البيت هو محاولة تذكير دائمة بتاريخنا العريق والأصيل، لشعبنا الذي ينسى في أوقات كثيرة من نحن، ورغم وجود انخفاض في مستوى القراءة في هذا الظرف وانغماس الناس لتأمين لقمة عيشها، لكن وجود هذه المنتديات التي تُنعش فعالية القراءة لإنعاش الهمم وبناء الإنسان الذي يليق بنا، وهذه المشاركات الأدبية تواصل روحي ملحّ حالياً وفي كل وقت للوصول إلى حالة معرفية تبني وهي رديف للمراكز الثقافية في فعالية تسمو لبناء العقل).

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار