الوحدة – فادية مجد
في زمن تزداد فيه ضغوط الحياة اليومية وتتصاعد التحديات النفسية، برز مفهوم حب الذات كموضوع أساسي في النقاشات النفسية والاجتماعية. وعلى الرغم من اعتقاد البعض أنه أنانية أو انشغال مبالغ فيه بالنفس على حساب الآخرين، يؤكد المختصون أن حب الذات هو ضرورة نفسية لا غنى عنها، وهو الأساس الذي تُبنى عليه العلاقات الصحية والتوازن الداخلي.
تشير المرشدة النفسية شاديا أحمد إلى أن حب الذات لا يعني التمركز حول النفس، بل هو وعي واحتواء. فالأشخاص الذين يفتقرون لحب الذات غالباً ما يعيشون في دوامة من القلق والتبعية، ويواجهون صعوبة في بناء علاقات متوازنة. في المقابل، من يمتلك حباً صحياً لذاته يكون أكثر قدرة على منح الحب للآخرين دون الشعور بالاستنزاف أو التعلق، لأن توازنه الداخلي يمنحه حماية من العلاقات السامة ويمنحه حرية الاختيار دون خوف أو تردد.
ومن جهة أخرى، تشرح الدكتورة في الصحة النفسية رهام حسن أن العديد من المرضى يعانون من أفكار مشوهة عن الذات، مثل “لا أستحق الحب” أو “أنا فاشل”. وتوضح أن العلاج السلوكي المعرفي يركز على تعديل هذه القناعات السلبية، لأن تغيير الفكر يؤدي إلى تغيير الشعور والسلوك، وعندما يبدأ الفرد برؤية نفسه بواقعية وتقدير، يبدأ بالتحسن والتعافي تدريجياً.
لذلك تقدم الدكتورة حسن نصائح عملية لتعزيز حب الذات بشكل صحي، منها:
– تقبل الذات عبر الاعتراف بنقاط القوة والضعف دون جلد النفس.
– تخصيص وقت للراحة وممارسة الهوايات والاهتمام بالصحة النفسية والجسدية.
– وضع حدود واضحة واحترام المساحة الشخصية، والقدرة على قول “لا” عند الحاجة.
– التقدير الذاتي من خلال تذكر الإنجازات والامتناع عن مقارنة النفس بالآخرين.
وتختم الدكتورة حديثها بالإشارة إلى أن مجتمعاتنا كثيراً ما تنظر إلى حب الذات على أنه غرور أو تمرد، بينما الحقيقة أنه أول خطوة نحو السلام الداخلي والنضج العاطفي.
فلا يمكن منح الآخرين حباً حقيقياً إذا كان الفرد يعيش صراعاً داخلياً، وحب الذات ليس ترفاً نفسياً، بل هو جوهر الصحة النفسية والعلاقات المتوازنة.