«عايشين» ….وما أحلانا ! مكـــــــدوس ومـــــــدارس وجـــــع رأس وقلّــــة فلـــــوس !

العدد: 9409

الأربعاء 21-8-2019

 

 

هل أصبح كلّ الهمّ (مكدوس)، هل تجاوزنا كلّ الاختناقات ولم يبق في الميدان إلا (الباذنجان)؟

لنعترف أننا محترفو (نقّ) ولا يجارينا في هذه الميزة أحد، ولنعترف أننا راكمنا خبرات كثيرة في هذا المجال، والأهم أن نتذكّر أن الأسباب كانت موجبة لكلّ حالة (نقّ) عشناها، لكن ما هو جميل في (تخطيطنا الاقتصادي)، أنّ هذه الآهات تُلقى إلينا بـ (التقسيط)، ونحضّر أنفسنا بعد المدرسة والمؤونة لـ (موشّح جديد) عنوانه البَرْدُ، ومفرداته قلّة المازوت والغاز والكهرباء (أبرز معالم الشتاء) ، وإن توفّرت هذه السلع والخدمات سنطلق صيحتنا المدويّة: من أين لنا أن ننعم بهذه النعم والجيوب تصفر فيها الرياح والخواء؟
نحن هكذا، لن نرضى ولو وضعتم بتصرفنا أموال قارون، وسخّرتم لنا جنّ سيدنا سليمان.

فستـــق العبيد بدل الجـــوز.. وبلا عسل وبلا لــــوز

نشتري الزيت بالكيلو

و«همـّك يا مواطن مين يشيلو»

يا أخي، واسم جمعيتك (مركز المحبة)، كيف (ظبطت) معك أن المواطن يمكن أن يعيش بـ (60) ألف ليرة، أحلّفك بالله العظيم: هل تعيش بـ (60) ألفاً؟ اتقِ الله يا رجل، أنا سأعطيك كلّ شهر (60) ألف ليرة، ولا أريد سمكاً ولا فروجاً ولا لحماً، انسَ المؤونة، ولا داعي لحبوب وجع الرأس، نريد شاياً وسكراً وخبزاً وبيضاً وبطاطا وفواتير المياه والكهرباء والهاتف وأجور نقل بالباص الداخلي لأسرة من خمسة أشخاص، وما يزيد من الـ (60) ألفاً هو لك..

ما زلنا على قيد الحياة وسنبقى، ونقدّر أكثر من غيرنا الظروف التي تحيط بنا، ولا ننفي الكلام لنأتي بغيره، وندرك أن تحسين الواقع المعيشي حالياً صعب المنال، ولكن لا نقبل أن يحاول البعض إقناعنا أننا نعيش في (بحبوحة) . .
سأفترض جدلاً أن في كلّ أسرة راتبان، أي ما مجموعه وسطياً (80) ألف ليرة، والأسرة مكونة من خمسة أشخاص، وسأفترض أيضاً أن النظام الغذائي لهذه الأسرة ثابت وعلى الشكل الآتي:
* الإفطار (5) بيضات و (5) أرغفة خبز – أي نصف ربطة خبز- فتكون تكلفة هذه الوجبة (275) ليرة.
* وجبة الغداء (2) كيلو بطاطا، (5) أرغفة خبز، أي بكلفة إجمالية (525) ليرة.
* وجبة العشاء (200) غرام لبنة، (5) أرغفة، أي ما كلفته (225) ليرة.
لتكون حصيلة هذا الكفاف (1025) ليرة، أي حوالي (31) ألف ليرة شهرياً.. احفظوا هذا الرقم وسنعود له..
الثوابت الأخرى والأساسيات وبالحدّ الأدنى:
* علبتان شاي ظرف بـ 500 ليرة.
* 10 كغ سكر بـ 2500 ليرة.
* نصف كيلو قهوة بـ 1000 ليرة.
* 2كغ زيت بـ 3000 ليرة.
* 4 قطع صابون من أسوأ الأنواع بـ 500 ليرة.
* منظفات جلي بـ 1000 ليرة فقط.
* كيسان محارم بـ 700 ليرة.
* 100ليرة مواصلات يومياً لكل موظف أي ما مجموعه 5000 ليرة شهرياً لشخصين مع الأخذ بعين الاعتبار أيام العطل.
* أسطوانة غاز شهرياً بـ 2800 ليرة
هذه السلة قيمتها (17) ألف ليرة، أيضاً احفظوها وسنعود إليها لاحقاً..
* فاتورة هاتف 2000 ليرة
* فاتورة مياه 2000 ليرة
* فاتورة كهرباء 4000 ليرة
نصفها لكل شهر أي ما مجموعه (4) آلاف ليرة..
ليصبح المبلغ جمعاً (52) ألف ليرة، أي بقي من الـ 60 ألف ليرة (8) آلاف ليرة، وحسب حسابات صاحبنا سيكفي هذا المبلغ للدواء ولحلاقة الشعر ولشراء الألبسة والأحذية وللأعياد وللمدارس والجامعات وللخيار والبندورة واللبن وحليب الأطفال (وحُرمت علينا الفواكه والمشاوير واستقبال الضيوف ومازوت التدفئة)!
أعتذر من صاحب الرأي، ولكن حتى يكون الرأي مؤثراً يجب أن يقترب من المنطق بعض الشيء..
نعود إلى الأساس، هناك واقع صعب، وإلى حدّ كبير ننجح بالتعامل مع مفرداته على صعوبة ذلك، والمؤونة التي نحن بصددها هي معاناة شهر لكنها قد تكون حلّ الأوقات الصعبة..
يا أخي المواطن، لماذا تصرّ على (الرفاهية المفرطة)، ألا يمكنك أكل المكدوس دون جوز؟ ومما يشكو فستق العبيد؟ وبلا الاثنين معاً، فليلة وثوم، المهم مكدوس!
قد تستغربون الأمر، ولكن هناك من يذهب إلى دوامه سيراً على الأقدام لا حبّاً في الرياضة وإنما ليوفّر ثمن فنجان قهوة يعدّل به مزاجه، وهناك من يقضيها على المكدوس والزيتون (إن كان قد وفّرهما) عدة أيام كلّ شهر..
نعم، هناك من يوفّر مؤونته من أرضه، لكن بالمقابل هناك أسر كثيرة تعيش على راتب واحد، وهناك أسر تسكن بالآجار، والأهمّ هناك من هو غير موظف وليس لديه أرض أو حرفة، وإنما ينتظر في الساحات العامة التقاط رزقه بـ (الفاعل)، وهناك من لديه ولدان أو ثلاثة في الجامعة و….
تمنّى علينا عدم ذكر اسمه لكنه ألحّ على سماع شكواه: (لدي أربعة أولاد في المدرسة، لا أنا موظف ولا زوجتي، لدي ثلاثة بيوت بلاستيكية، كلفة مستلزمات الإنتاج أكثر مما تتصوّر، والمردود مرهون بأحوال الطقس والسوق، بالله عليكم كيف سأعيش؟).

 

 

خمسون ألف ليرة «قرض» .. وماذا عن غير الموظف؟

هذه الحالات كثيرة بيننا، ليتنا نمتلك الحلّ، وإن كانت ثمة استجابة لدعائنا فإننا ندعو الله لهم ولنا بالفرج والانفراج…

أما الموظف المحسود على وظيفته، فبالله عليكم ما نسبة الموظفين الذين يقبضون رواتبهم كاملة؟
وللكأس نصف آخر أيضاً
دعونا ننتقل إلى النصف الآخر من الكأس، أو إلى ما بقي فيه، ونترك المدينة إلى ريفنا المعطاء، فهناك قد نجد فسحة نرى من خلالها السماء بزرقتها الطبيعية..
حاكورة صغيرة، وسياج فيه بضع دجاجات، قد يؤمنان (الكفاية المطلوبة) شرط ألا يتخلى ساكن الريف عن عاداته الجميلة..
شجرة تين واحدة قد تؤمن لنا حاجة الشتاء من (مربى التين اللذيذ)، وعرق يقطين قد يفعل الأمر نفسه، ولن تحتاج للبقدونس والنعناع والفجل والبصل الأخضر، و(بيضات) دجاجاتك قد تزيد عن حاجتك، وربما أيضاً سيكون بإمكانك أن تجفّف البامياء وأن تغلي البندورة (ربّ البندورة)، وإن كنت (شاطراً) ستجد بضعة أمتار في حاكورتك لإنتاج حاجتك من باذنجان المكدوس..
هي تفاصيل صغيرة، لكنها مهمة جداً لمن يحسن إدارتها، وخاصة في هذه الأوقات الصعبة..
أبو محمد، لا يشتري أي شيء تنتجه الأرض على الإطلاق، لأنه ينتهج هذه السياسة، ولديه نحو (50) دجاجة وديكاً تؤمن له البيض واللحم، يتحدث عن تجربته بفرح، ويستغرب ألا يفعل الآخرون مثله..

غــانــم مــحــمــد

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار