بين الشـط والجبل..إنـَّه فجرٌ جديد

العــــــــــــــدد 9286

الأربعــــــــاء 6 شـــباط2019

 

قال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز: متى أتكلَّم؟
قال: إذا اشتهيْتَ أن تصمت . .
– ومتى أصمت؟
قال: إذا اشتهيْتَ أن تتكلَّم . .
***
وأنا الضائع بين صَمْتي وكلامي أتَّكئ على شوكةٍ في فمي، مُنْتعلاً خفيَّيْنِ من سُهاد . . وقد أخذتِ الدموعُ تفكِّكُ قمصانها.
مستوْحِشاً أمشي طريقي، مستْوحشاً يمشي بي الطريق، أريد قَيْلولةً أتكئ فيها على نعاسي، مثلما الشطّ يتكَّئ على نعاس البحر . .
***
ثمَّةَ مطرٌ ناعمٌ يُنِّدي، فيغسل أرقي، ويكِّفنني شجني. أصغي إلى حبَّات المطر وأقول: ليته يدوم، إن صوته يهدل كيمامةٍ بريِّةٍ كانت استراحتْ لتوِّها من نكْش ريشها المبلَّل.
***
حلا السهدُ في جفونيَ وقد نضبتْ دماءً قناديلي فاستعضتُ عنها بنور هلالٍ رحيم الخطا، مُشْفقاً على كلِّ أولئك الذين أسهدتْهم لياليهم، وقرَّح السهرُ أجفانهم.
أجْلَسْتُ قلبي أمام نافذتي، أردته أن يبتلَّ بالليل الشتوي، وجاء فمي عارياً ومذعوراً مثلما عبرني رفٌّ من طيور السَّمان مذعوراً من بندقية صيدٍ تلاحقه . .
أردتُ لقلبي أن يموسق دقَّاتِه وقلتُ له: كنْ كالأفُق يستلُّ من الدمعة بسمته، خذْ من وجعك ما يفرحكَ، ودع الحزن لقادمات الأيام.
الآن أريدكَ سعيداً كحمامة ملء الربى تدرج بين خضرتها، هيَّا استقبلِ الصباحَ الناهدَ على وهج الحلم، ودع الزفراتِ في سباتها، إنّه فجرٌ جديد.
***
يستوقفني صوتي قبالة جدار الزرقة، تنوس شعلةُ الشفتيْن مع ارتداد الصدى، ويستيقظ الحنين، يُودع شوقه معبر العمر فيتبدَّد العطر، ومن كانوا لا يعيروننا التفاتةً ضمَخهم العطر بأريجه، فعادوا ولوَّحوا بأيديهم . .
***
عبْرتُ دروباً من أزهار اللوز وقلت: في مثل هذا المدى فليتعانقْ عاشقان، ورأيتُني أتسلَّق أغصان ضحكةٍ عابرة، وهمهمات تقول: يا أيها الموهوم، إنك في شيخوختك، فدعْ ما لغيرك ما لغيرك، هززتُ رأسي وقلت: هبْ أني في شيخوختي، أعليَّ أن أغلق على قلبي دقاته؟ وألَّا أرى إلا بقعة ضوء تنشرها مقلتاي؟
وقلت مغاضباً: شيخ أنا، قد أكون كذلك، لكنه قلبي مازال يدق، فهل أسكته بأمرٍ من شيخوختي؟
***
أعرف أن الموت والحياة يتعانقان في سرير واحد، وقلت: آن لقلبي أن يتدّفق حبّه كالنهر، ولا بأس بالساقية، حتى فليتدفقْ ولو كجدولٍ صغير.
يقول الشاعر أدونيس: علِّمْ جسدكَ أن يظلَّ طفلاً، لا شيخوخة إلّا في الرأس.

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار