الوحدة : 14-1-2025
بعيداً عن الطُرقات والأوتوسترادات السريعة التي تشكّل حلقة ربط متكاملة بين المحافظات والمناطق، القريبة منها والبعيدة، وصولاً إلى الطريق الدولي (الخُرافي) الذي يربط محافظتي اللاذقية وإدلب وصولاً إلى حلب وبزمن قياسي قياساً بالطريق القديم، والحديث طويل جدّاً عن أهميته وقيمته الكبيرة من جميع النواحي.
لكن جميع ما سبق يقودنا إلى الطريق المعدني، السكة الحديدية التي تربط تلك المحافظات الثلاث، حيث وقعت عليها سياسة ممنهجة من القصف والتدمير على مُجمل مفاصله الجغرافية من أنفاق طويلة وجُسور معلّقة ضمن طبيعة غاية بالجمال، حيث كان السفر عبر تلك القطارات عبارة عن رحلة ترفيهية تكحّل عيون المسافرين، بدءاً من مدينة حلب العريقة مروراً بمناطق شاسعة من قُرى إدلب الخضراء حيث يخترق القطار وعرباته عدداً من الأنفاق المُظلمة، ما يجعل المسافر يدخل لعدّة ثوانٍ في غيبوبة من أحلام اليقظة، ليظهر بعدها نور ساطع، فيجد الراكب نفسه يسبح فوق بساط أخضر من الغابات، في وقت أعلن القطار السير ببطء اضطراري على تلك الجُسور العالية، وكُل تلك المشاهد تُطرب روح المسافر عند وصوله إلى أطراف محافظة إدلب من خلال قرى جسر الشغور وبداما وشغر ووادي الشيخان المتاخمة للحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية عبر محطات متتالية مروراً بمنطقة قبر العبد والجسور المعلّقة في تلك المناطق، التي تقدّم نكهة فريدة من الجمال عبر شلّالات وأنهار وسواقٍ هاربة عبر غابات ووديان متعرّجة، لتصل إلى سكون محطّة السفكون وكوعها الشهير الذي يُجاور أضخم البحيرات الواقعة على النهر الكبير الشمالي، التي تُعدّ مقرّاً مستقراً لخزان مياه تلك المناطق، بالإضافة لنهر الكبير الشمالي الذي يُقدّم وجبة دسمة من جمال الطبيعة المتكاملة في مُختلف الأمور الاقتصادية والسياحية والاجتماعية.. لذلك نجد أن الأمل بات كبيراً بعودة الأمور إلى نصابها بعد أن عادت الحياة إلى طبيعتها، وعاد شريان الحياة يسري بين تلك المكونات التي أصابها شلل قسري جرّاء فئة استحكمت بالبلاد والعباد وشرذمت القرى ونكّلت بكلا الطرفين، آملين بعودة سريعة لتلك الروابط فتطرب الآذان بسماع (الترين) وتعبق وديان تلك القرى برائحة وأدخنة التنور وخبز الحياة وفطائر أهل تلك المناطق المتآخية. وفي جسر الشغور تضع رائحة اللحوم المشوية المسافرين في محاكمة ضرورة لجوع يشبه نهم وجوع أخناتون وسنينه العجاف، لتستريح الأنظار وتحلو بما يقدّمه أهل أريحا من روائع الفن العريق بصناعة الحلويات بأنواعها، حيث يجد المسافر نفسه في رحلة استكشافية لعدّة ساعات من الاستجمام والتمتّع بأجمل المناطق التي تُضاهي مثيلاتها في الغرب الأوروبي.
سليمان حسين