وقـال البحــــــر… الحـــــوار

العدد: 9384

10-7-2019

 

 

 

فرض التطور العصري المتسارع ومبدأ تقسيم الوقت أن يكون لكل قطاع من القطاعات الحياتية المختلفة أُطُرٌ معينة تنتظم بموجبها النشاطات المختلفة لهذا القطاع أو ذاك، وذلك تأميناً لحسن سير العمل فيه و ديمومته.
وبما أن عصر التكنولوجيا المتقدمة أفرز مجالات عديدة يَسرت للإنسان المعاصر آفاق عمل متنوعة ومصالح متشابكة يتداخل بعضها البعض، الأمر الذي يتعذر معه العمل بصورة منفردة بالنظر إلى التشعبات التي تدخل في عملية التنفيذ، ولهذه الأسباب برزت فكرة الحوار والتعاون والعمل الجماعي بين الزملاء، وفرضت نفسها على مختلف ميادين العمل والنشاطات المختلفة على اعتبار أنها تكمل بعضها البعض، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن طبيعة الحياة البشرية تُحتم هذا التعاون والحوار الذي لولاه لما وجدنا أنفسنا على هذا المستوى من النمو وبذلك القدر من الرقي والتقدم.
هذا على الصعيد العام وأما على الصعيد الخاص فإنه من مصلحة أي عمل فردي أن يكون رائده الحوار والتعاون والتنسيق بغية المحافظة على استمراريته والحصول على نتيجة أفضل وتحسين نوعية الخدمات المقدمة، وبالإضافة إلى ذلك فإن العنصر الأهم في هذا النطاق هو الدفاع عن علاقة الزملاء ومصالحهم في أي نشاط معين.
تتسع دائماً الدرجات الأولى في الهيكل الإداري للعديد من الزملاء ذوي المستويات الوظيفية الواحدة والذين يشكلون القاعدة العريضة من العاملين في أي مؤسسة، فيتبادلون النصيحة في كل ما يتعلق بصالح العمل وتسود روح الود والمحبة بالتعامل بينهم ولكن كلما صعد بعضهم إلى مستويات وظيفية أعلى واجهوا درجات أقل اتساعاً، وهكذا حتى مستوى الإدارة الوسطى وما فوقها، حيث تبدأ درجات السلم الإداري تضيق بهم فيتزاحمون عليها ويأخذ الصراع طريقه بينهم، فتقل المودة ويتربص أصدقاء الأمس ببعضهم في منافسة طاحنة ويستغل ضعاف النفوس الموقف بين الزملاء من خلال الصيد في المياه العكرة وذلك تقرباً من الطرف الأقوى طمعاً في الحصول على منصب ما أو حوافز مادية، وهنا يظهر الفرق في التعامل مع مثل هذه المواقف بين أصحاب القيم والمبادئ وبين المتلهفين لتحقيق مكاسب شخصية بأي ثمن حتى لو كان ذلك على حساب زملائهم والإضرار بهم والتضحية بأصدقاء من الصعب تعويضهم في هذا الزمن.
إن وجود الاحترام المتبادل بين الزملاء (رؤساء ومرؤوسين) أمر واجب في كل الأوقات وإنكار الذات أمر في غاية الأهمية ليحصل كل ذي حق على حقه من التقدير المادي والمعنوي، والمجاملات في التعامل لها حدود حتى لا تتعداها إلى النفاق الذي هو آفة المجتمع الإداري حيث يصف المرؤوس دائماً تصرفات رئيسه في العمل كلها بأنها عين الصواب لمجرد إرضائه وكسب رضاه، ولا مانع من تغيير رأيه في الموضوع ذاته أكثر من مرة في اليوم تمسكاً بنفاق رئيسه في العمل والإضرار بأغلب زملائه.
ويبرز هنا ما يمكن وصفه بأمراض الحسد والغيبة التي يتعرض لها دائماً الناجحون من زملائهم الحاسدين والمتضررين من قرارات إدارية وإجراءات وظيفية معينة، وللأسف فقد أصبحت الغيبة سلاحاً فتاكاً يستخدمه كل من هب ودبّ دون أي وازع من ضمير حي أو خوف من افتضاح ذلك العمل.
وأخيراً يتوجب على الزملاء معرفة أهمية معاني الزمالة وضرورة التمسك بمبادئ الإخوة في التعامل وطِيب الحوار فيما بينهم.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار