الوحدة : 20-8-2024
في مكانٍ ليس ببعيدٍ عن قبالة البحر، جلستُ أتأمّل المشهد البشريّ المتحرّك، ولفتَ انتباهي فتاة تجرّ كلباً، تلاها شابٌ يحمل قفصاً فارغاً، ثمّ كلابٌ شاردةٌ حلّت بعدها.
ضحكتُ مليّاً، ولم يقطع ضحكتي الطّويلة سوى مشهد فتاة تصفع شابّاً وتمضي بهدوءٍ، فيما اختفى الشّاب كغريقٍ ابتلعه الماء!
فتيةٌ ينهالون ضرباً على صبيّ، وكان الصبيّ يبكي ويضحك معاً؟!
على مقربةٍ، نقاشٌ بين اثنين، كانت نبرتهما عاليةٌ كالمطارق، لكنّني لم أفهم كلمةُ واحدةً!
أشحتُ بوجهي إلى أبواب السيّارات الّتي تنفتح وتنغلق كمخازن بشريّة، وأطفالٌ لا يريدون الصّعود، ومثلهم آخرون لا يريدون الخروج من سيّاراتهم الّتي توقّفت هنا وهناك.
عائلةٌ أثناء عبورها الشّارع تشتمُ وتسبّ على سيّارةٍ مسرعةٍ.
ولأنْ الّذين بداخلها سعداء بسرعتهم، أكملوا المشهد بحالة دهسٍ مروّعةٍ!
أحد المارّة كان يسير بأنفةٍ واستعلاء، مثل طاحونةٍ تكسر الغيوم وتطحن المطر، وآخر بربطة عنقه.. بحرٌ يجلجل بشواطئه لألف سببٍ وسببٍ؟!
إنّ تلك المشاهد الصّغيرة لدقائق معدودة، تكاد تتجاوز روايات “نجيب محفوظ” بأكملها، فكيف والحال هكذا؟
بعد تلك المشاهد، أصابني إعياء خاص، وكأنّني أقترب من وعكةٍ صحيةٍ طارئةٍ، فلملمتُ نفسي وتركتُ المكان، طالما أنّني لا أنتسب لأيّ من تلك المشاهد، وما أنا سوى كتلة ذكرياتٍ أخرجتني من زمني وأبعدتني إلى فراغٍ لا أجد فيه إلّا الأبيض والأسود؟!!
سمير عوض