مئة عام على ميلاد شيخ الرواية حنا مينه

الوحدة:1-4-2024

من شرفات هذه المدينة التي يرقد البحر على ضفاف ألقها، من زواياها التي تشي ألوانها بالود والخصوبة والعراقة والمنح الأبدي.
من هنا انبثق عمر رمز روائي إبداعي، ومن هنا عبرتِ الآفاقَ نجمةٌ ساطعةٌ، من هذه المدينة ذات الألغاز والرموز، صديقة اللحظات المجنونة …من شبابيكها الغضة المطلة على من يصطادون الحلم والحُبّ واللغات والخمر والزيت والعسل.
من هنا، انطلق نورسنا الذي ملأ الآفاق بالضياء المنبثق من رفرفة جناحيه، فعشقته كل وردة، وحمامة ،وموجة، من دون قيود أو شروط.
من اللاذقية، وفي يوم من آذار مبشر بربيعٍ خالدٍ ولدت زهرة نارية، أشعلت حقول الإبداع بألقٍ جديد، فحصدت الريح أولى أنفاس المبدع حنا مينه، حنا الذي اكتشفت جميلات البحر هواياته قبل أن يكتشفها هو نفسه، رمين الحبّ في دربه، فالتقط أحجاره الثمينة وعبّأ جيوب الأدب بحلوى الأفكار المتشربة مرارة العيش، وملأ الدنيا بمروج الكلمات، فانطلقت من بين أصابعه شموسٌ لاتنتهي للفقراء الحالمين بغدٍ أفضل.
قاتل باسم الحب والبحر والحرية، ورسوخ القناعات التي تدعو إلى الخير ضد شرائع القبائل الجاهلية، ورمى بأحجار رواياته رؤوس الأغبياء ..
صلى في محراب الأنثى، لنسائمها، لضفائرها،لخصرها، وجعلها بحكمة المبدع الناضج أيقونة السلام والجمال، وأوصل من خلالها رسائله الحضارية والأخلاقية والإنسانية.
مئة عام مضت على تحقق نبوءة عرافة، قرأت كف أم شيخ الرواية، وأخبرتها أنها تحمل في رحمها ابناً باراً بالحقيقة، عاصياً لكل الأيادي التي تمتد لتغطي وجهها، فجاء الابن ليترجم أوجاع ناسه بحرفية و واقعية، ويسخر سنوات عمره الطويل بأيامها كلها في خدمة قضايا المجتمع.
قال حنا مينه في وصيته التي نشرها قبل سنوات من الرحيل: لقدشبعت من الحياة، وأصبحت أخاف ألا أموت، ويبدو أنه لم يكن مخطئاً، فالمبدع لايموت، إنه أقوى من الموت، لقد ترك لنا إرثاً أدبياً عظيماً يضمن له الاستمرار لأجيال كثيرة قادمة، و يضعه في المراتب العليا بين كُتّاب الرواية والأدب في العالم.
كانت أمنيته ان تنتقل دمشق إلى البحر أو ينتقل البحر إلى دمشق، كان حارساً مؤتمناً على جبل قاسيون، لذا حمل أصالة الجبل وشموخه في روحه حين عاد في النهاية إلى مدينته الساحلية ليكون حارساً أبدياً على حكايا البحر، يرقب عواصفه، ويوجّه أشرعة مراكبه، ويوقد المصابيح الزرق لميلاد جديد.

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار