في كلمة تاريخية بمناسبة ذكرى التحرير الأولى.. السيد الرئيس أحمد الشرع يرسم خارطة سوريا الغد بماضيها التليد
الوحدة – ريم جبيلي
ألقى السيد الرئيس أحمد الشرع كلمة خلال احتفالية الذكرى السنوية الأولى للتحرير في قصر المؤتمرات بدمشق، جاء في مستهلها: “إلى الأبطال الذين حرروا البلاد بدمائهم والأمهات اللواتي صبرن على الفقد واحتفظن بالأمل في قلوبهن رغم الألم، إلى الأبناء الذين فتحوا عيونهم على اليتم ومروا بظلام الفقد قبل أن يعرفوا معنى الحياة، وإلى الشعب السوري العظيم الذي صمد رغم كل الصعاب وواجه سنوات من القهر والظلم داخل البلاد وخارجها، إليكم أيها الحاضرون في قلب التاريخ وأنتم تشكلون صفحة من صفحات البطولة وحكاية من حكايات النصر العظيم، نبارك لكم جميعاً ذكرى تحرير سوريا من الطغيان والاستبداد وعودة الوطن إلى أهله شامخاً حراً عزيزاً كما كان دوماً”.
وتابع الرئيس الشرع: “لقد فقدنا الشام درة الشرق لأكثر من خمسة عقود وحاولوا سلخها عن هويتها وحضارتها وعمقها التاريخي وسعوا عبثاً لدفنها مراراً وتكراراً ولكن أنّى للأقمار أن تخفى وجوهها وأنّى للشمس أن يحجب نورها”، وأضاف الرئيس الشرع: “هنا الشام، من هنا عبرت البشرية ومن هنا ستعود من جديد ومن هذه الأرض الطاهرة تسللت إلى قلوب البشر نسائم الإيمان، ومن هنا أدرك الناس معنى الإنسانية والوفاء والعدل والحكمة وتوارثوها جيلاً بعد جيل”.
وأشار الرئيس الشرع خلال كلمته إلى حقبة النظام البائد، قائلاً: “لقد كانت حقبة النظام البائد صفحة سوداء في تاريخ بلدنا استحكم فيها المستبد حيناً من الزمن ثم ما لبث أن هوى لتشرق من جديد أنوار البصيرة وحسن الحوار وجسور المحبة والإخاء، وباتت الشام محط القلوب وميزان المصالح، وتغيرت حكايات الناس عن سوريا وأهلها من الإشفاق إلى الإعجاب والاعتزاز، كل ذلك في عام واحد ولله الحمد”.
وأضاف الرئيس الشرع: “ما أعجبك يا شام! ففيك الخير وحسن المعشر وأطيب القلوب وأفطن العقول وألمع الأذهان، وكان أهلك أشد بأساً حين سلبت الحقوق وأهينت الكرامة وأدركوا مبكراً أن الحقوق تنتزع لا توهب وأن للحرية ثمناً يجب وفاؤه وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا فكان لكل ذلك جميل العطاء”.
ونوّه الرئيس الشرع إلى ممارسات النظام البائد، وكيف عمد إلى زرع الفتنة والتفرقة بين أبناء شعبنا، وبثّ الشك في قلوب وعقول السوريين، فأقام بين السلطة والشعب سدوداً من الخوف والرعب وحوّل عقد المواطنة إلى صك ولاء وعبودية وأضعف عزيمة الناس وجرّ بلدنا إلى أدنى المراتب في مختلف المجالات والاختصاصات، مشيراً سيادته إلى أن النظام البائد أسس لكيان يقوم على اللا قانون ونشر الفساد وأمعن في إفقار الشعب وتجهيله وحرمانه من حقوقه، وباتت الكلمة جريمة والإبداع وصمة عار وحب الوطن تهمة وخيانة.
ومع إشراق شمس الحرية اليوم، أعلن السيد الرئيس أحمد الشرع عن قطيعة تاريخية مع ذاك الموروث وهدماً كاملاً لوهم الباطل ومفارقة دائمة لحقبة الاستبداد والطغيان إلى فجر جديد قوامه العدل والإحسان والمواطنة والعيش المشترك والإبداع والتألق في بناء الوطن، مشيراً سيادته إلى أن نهاية معركتنا مع النظام البائد لم تكن إلا بداية لمعركة جديدة في ميادين العمل والاجتهاد، معركة مقاربة الأقوال بالأفعال والعهود بالوفاء والقيم بالامتثال.
وتابع الرئيس الشرع كلمته في ذكرى التحرير الأولى: “لقد منحنا الشعب الثقة بعد سنوات من القهر والظلم وأودعنا أمانة المسؤولية، فليكن شعارنا الصدق وعهدنا البناء”، مضيفاً سيادته: “منذ اللحظة الأولى للتحرير تجوّلنا في المحافظات، واستمعنا لهموم الشعب ومطالباته، وعليه وضعنا رؤية واضحة لسوريا الجديدة، دولة قوية تنتمي إلى ماضيها التليد وتتطلع إلى مستقبلها الواعد وتعيد تموضعها الطبيعي في محيطها العربي والإقليمي والدولي”.
وأوضح الرئيس الشرع أنه عمل على تعريف العالم بهذه الرؤية، فاستقبل الوفود وزار البلدان، وأسهمت الدبلوماسية السورية في تغيير جذري لصورة سوريا في الخارج وجعلها شريكاً موثوقاً لدول المنطقة والعالم.
وعلى الصعيد الاقتصادي والاستثماري بيّن الرئيس الشرع أننا عقدنا شراكات استراتيجية مع دول صديقة في قطاعات حيوية شملت الطاقة والموانئ والمطارات والعقارات والاتصالات، وأسهمت هذه الشراكات في تعزيز التعافي الاقتصادي وفتح أبواب الاستثمار وخلق فرص العمل وتحسين بنية الاقتصاد الوطني.
وعلى مستوى الحياة والمعيشة، لفت الرئيس الشرع إلى أنه حرص على ترشيد السياسة الاقتصادية لتنعكس مباشرة على المواطنين، فرفع مستوى الدخل تدريجياً وخفف المعاناة وأرسى بيئة أكثر استقراراً وعدالة.
وعلى الصعيد العسكري، أكد الرئيس الشرع على دمج القوى العسكرية المختلفة ضمن جيش وطني موحد قائم على المهنية وولاء المؤسسة للوطن، مما أسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في الوطن.
كما شدّد الرئيس الشرع في كلمته على أننا اليوم ونحن نخطو خطواتنا على طريق بناء سوريا الجديدة، نؤكد التزامنا بمبدأ العدالة الانتقالية لضمان محاسبة كل من انتهك القانون وارتكب جرائم بحق الشعب السوري، مع الحفاظ على حقوق الضحايا وإحقاق العدالة.
وتابع سيادته: “حق الشعب في المعرفة والمساءلة، ثم المحاسبة أو المصالحة، هو أساس استقرار الدولة وضمان لعدم تكرار الانتهاكات، وهو حجر الأساس لبناء الثقة بين المواطن والدولة”.
وفيما يخص ملف المفقودين، أشار الرئيس الشرع إلى أننا لا ننسى أبداً المفقودين وأسرهم الذين يمثلون قضية إنسانية لها الأولوية، لا مساومة فيها، و”نحن ملتزمون بالبحث عن الحقيقة دون توقف.”
واختتم السيد الرئيس أحمد الشرع كلمته بالقول: “أيها الشعب السوري الكريم، لقد أثبتم للعالم أن النصر مجرد بداية، فتعالوا بنا جميعاً نكمل الحكاية، حكاية شعب صمد وصبر، فأعزّه الله ونصره، تعالوا لنجعل من النصر مسؤولية تتجلى فينا جدّاً وعملاً وعدالة ورحمة، لننهض بوطننا الحبيب نحو مصاف الدول المتقدمة.
وإلى أولئك الذين مهّدوا الطريق لنا بدمائهم وعذاباتهم وجراحهم وآلامهم، من مجاهد وأسير وشهيد وجريح وثائر ومكافح، ولأسرهم أجمعين، كل التحية والسلام”.