في «حي الطليعة» بطرطوس..الـــبيت بـ 8 ملايــــين وحــــتى تتمــلكه عليك أن تدفع 18 مـــليوناً المصلحـــة العامــــة تخـــصّ المواطنـــين أم تجــــّار الـــعقارات؟
العــــــــــــــدد 9363
الثلاثـــــــاء 11 حزيران 2019
(حارة الدبان) كما يعرفه الجميع، الحي الذي حوله قاطنوه الأوائل من مرتع للحشرات بسبب تجاوره مع نهر الغمقة إلى تجمع سكاني يضج بالحركة والحياة، بيوته الصغيرة أنشأت أجيالاً من حملة الشهادات العليا في كل الاختصاصات، أهله البسطاء ممن قصدوا المدينة في سبعينيات القرن الماضي لاهثين وراء لقمة العيش فاستقروا على أطراف مدينتهم الساحلية الصغيرة، هم أهلنا الكرماء من قارعوا الدهر وأنجبوا الأبطال ورضوا بما قسمت لهم الأقدار، تلك الأقدار التي رضخت أمام تضحيات أبنائهم وصغرت أمام عظمة إيمانهم بأرضهم، فابتسمت فاتحة زراعيها، تريد أن تهبهم بضعاً من رمق الحياة وإرثاً معقولاً يفاخرون بأنهم نجحوا في اقتناصه بقوة يقينهم، ليدخل ضمن المخطط التنظيمي لمدينة طرطوس ويصبح هذا الحي وأهلوه في مقدمة الأحياء مستحقاً بكل جدارة اسم.. حي الطليعة.
حي الطليعة.. حي 8 آذار
توسعت مدينة طرطوس كثيراً وصار لزاماً نقل بعض المنشآت وتوسعتها، فكان الحظ حليفاً لبعض الأحياء المهملة في توضع كثير من هذه المنشآت فيها وتم وضع المخططات والدراسات والأبحاث التي استطالت في بعض الأحيان لعقود كاملة دون مبرر مقنع ولكنها في النهاية أنجزت تحت ضغط الواقع المتسارع للتوسع العمراني والازدياد السكاني الكثيف، وكان نصيب حي الطليعة بأن أصبح يتوسط الكثير من مواقع لمرافق هامة نقلت إليه أو بجانبه، فالكراج وسادكوب ملاصقان له من الغرب، ومشفى الباسل ومبنى الجامعة المعتزم بناؤه من الجنوب الشرقي لا يفصله عنها سوى النفق المنشأ حديثاً والذي يضاف ليكون من عوامل ارتفاع أسعار العقارات وقيام الأبنية الطابقية الحديثة كما أن قربه من المدينة الصناعية زاد من أهمية موقعه لتنتعش الآمال لدى السكان بتنمية حيهم وتنظيمه عقارياً تماماً كحي 8 آذار والذي أجبر التوسع العمراني وبنفس القصة على المباشرة بإحداث منطقة تنظيمية ليترك بارقة أمل في تحسن المستوى المعيشي لمن يريدون البيع لسهولة نقل الملكية والفرز وتراخيص البناء الطابقية لمن يحلم ببناء منزل لأبنائه وإلى ما هنالك من إجراءات تسهل البيع والشراء وتنشط سوق العقارات بما له من المردود الإيجابي للمالكين بعد هذا العمر الذي قضوه في الانتظار متأملين الفرج الذي طال حتى صدر، وفجأة… يكون لمجلس مدينة طرطوس رأي آخر!
نصف بيتك للبلدية
(ولا في الأحلام).. البلدية لها في بيتك أربع وأربعون بالمئة في حي الطليعة وفي حي الزهراء (قيد إحداث التنظيم) خمسون بالمئة كما تم إخبار الأهالي شفهياً بموضوع الدراسة، ورغم أن القاطنين يمتلكون صكوك ملكية من الدوائر العقارية ومحددة تماماً بمكانها وعدد أسهمها ومشترون بشكل قانوني من المالك الأساسي وهو من قام بتقسيم العقار ولكن لهذا الإجراء مخرجه (القانوني) برأي البلدية فالأرض حسب المادة 12 من المرسوم 9 لعام 74 تعتبر ملكاً شائعاً مشتركاً بين جميع أصحاب الحقوق، والمالكون مشتركون بكامل العقار كل حسب نسبة امتلاكه للأسهم، ورغم أن الذي حصل كانت هي المتسبب الأول والأخير فيه حين لم تقم باستملاك الطرق العامة والحدائق وكل ما يلزم حين أتاح لها القانون ذلك في نفس المرسوم السابق بالمادة 40 حرفياً (يجوز للجهة الإدارية وضع اليد على الأملاك العامة والمقاسم المحدثة في المنطقة) فاستمر ورثة المالك الأصلي ببيع الأسهم على الشيوع دون مخطط يشير إلى المكان والمساحة بعد تراخي البلدية التي كانت تستطيع إيقافه ومعاقبته لو أنها قامت بالاستملاك ولكنها فطنت الآن وتريد استملاك نصف الأسهم تقريباً من مئات المالكين في بيوتهم وعقاراتهم بدل استملاك الثلث (كما ينص المرسوم ذاته) من المالك القديم وحيداً، فحولت المرسوم 166 لعام 2008 القاضي بإحداث مناطق تنظيمية من قانون وُضع لنصرة البسطاء ومكرمة لا تقدر بثمن من السيد الرئيس إلى قانون مجحف يسلخ من الناس ملكيتها باستهتار فظ وخطأ جسيم ارتكبته البلدية نفسها وتريد من المالكين دفع ثمن أخطائها، وطبعاً لكل من يفكر في الوقوف أمام ظلمها هناك صلاحيات كثيرة قد تستخدمها فالقوانين التي وضعت أصلاً لتحسين الوضع وإنصاف القاطنين قد تصبح ضدهم بشكل فجائي بحجة المصلحة العامة (كما تدعي الآن) وهذا ما حدث بالفعل مع المواطن نبيل يوسف والذي حكى لنا كيف تم تغيير مسار الطريق بضعة أمتار ليقتطع جزءاً من أرضه كعقاب له على تجرؤه، وتم تعديل المخطط وتغيير وضع بعض الأبنية بشكل مخالف للواقع وحين احتج على الخطأ ادعت البلدية أن تغيير المخطط يحتاج إلى مرسوم جديد ليرفع الأمر في النهاية إلى مجلس الدولة الذي أنصفه وأعاد الأمور إلى نصابها (رأي مجلس الدولة رقم 147 لعام 2013) حيث أقر حرفياً بأن (الخطأ ناتج من قبل دائرة المساحة وليس لأصحاب العقارات أية مسؤولية ولا يحتاج التصحيح لمرسوم جديد ويقع على عاتق البلدية تصحيح هذه الخطأ وعلى مسؤوليتها شريطة موافقة أصحاب العقارات) لاحظوا هنا الدقة والنزاهة والعدل في رأي مجلس الدولة والذي تنحني له الهامات بكل فخر، ولم تنتهِ أخطاء البلدية عند هذا الحد بل قامت بتنظيم جزء من العقار 137 المستملك لصالح الخطوط الحديدية السورية رغم أن المادة 13 الفقرة – ب – من المرسوم 9 لعام 74 تنص بأنه (لا يجوز إدخال عقار أو جزء من عقار ناتج عن تنظيم منطقة أو استملاك في مناطق تنظيم جديدة إلا بموجب مرسوم خاص بهذا العقار) فلماذا نظمت بسهولة في هذه الحالة ولم تطلب مرسوماً كما يلزمها القانون بينما ادعت بحاجتها إلى مرسوم في حالة المواطن السابقة، لا بل أن أحداً ما، والذي كان رئيساً للجنة فض النزاعات هو من قال للمالكين قبل عدة سنوات: حقكم عند البلدية فخذوه منها، ولكنه (ويا محاسن الصدف) عندما أصبح رئيساً للبلدية فيما بعد قال لهم عودوا إلى القضاء، وفي حي المحطة (8 آذار) وتحديداً في منطقة الزهراء تم لحظ تعديل مقترح المخطط القديم وتصغير مساحة الحديقة لتصبح ملكية المقتطع منها لأحد كبار تجار العقارات وعلى الشارع الرئيسي مباشرة (أكيد بمحض الصدفة) فكيف تهاونت البلدية هنا على حساب المرفق العام بينما تستقوي على الفقراء بجواره؟ ورغم كل ما ذكرناه سابقاً من أهوال فإنه لا يعدو كونه نقطة في بحر ما سيأتي لاحقاً والذي لا يمكن تسميته مهما أردنا تهذيب الأوصاف إلا بـ … الفضيحة.
الفضيحة
40000000 (عدوا الأصفار على مهلكم)، نعم هي كذلك: أربعون مليوناً فقط لا غير ثمن بيت أو عقار مساحته 200 متر مربع، والبلدية تريد اقتطاع 44 بالمئة منه، إذاً عليك أن تدفع ما يقارب 18 مليوناً ثمنها كي يسمح لك بالترخيص، هذا تماماً هو التخمين ونسبة الاقتطاع الرسمية التي وافتنا بها البلدية رداً على أسئلتنا بالكتاب رقم /5046/و/ تاريخ 22/5/2019 والتي سعّرت المتر في حي الطليعة بين 155 ألفاً إلى 200 ألف، وفي حي الزهراء من 100 إلى 125 ألفاً، كما تم الهمس للأهالي في حال المباشرة بالتنظيم، كم هو تخمين دقيق ومثالي (يا بلاش) ويتناسب بشدة مع منطقة ثمن البيت الفعلي فيها وبنفس المساحة المذكورة حسب أسعار السوق الحالية بين 6 إلى 9 ملايين كحد أقصى فمن أين أتى (جهابذة) البلدية بهذه الأسعار الفلكية ولصالح من؟ أو حتى من يستطيع التصديق أن هذه الأسعار مدروسة لتناسب الملاك وليس التجار، وأي بشري من أهالي المنطقة المعنيين بالأمر سيتقبل فكرة أن تكون حصة البلدية في عقاره أكبر بكثير من ثمن كامل بيته على الوضع الراهن، ومن أين لهم هذه المبالغ ليدفعوها أصلاً وهم الذين ارتضوا المعيشة فيها مجبرين تحت نير الظروف السيئة لمنطقة عشوائيات نتيجة لفقرهم.
رئيس المجلس.. والأسعار الوهمية
( البلدية هي الحلقة الأضعف بين الجميع، فالملاك يبيعون ويشترون والقضاء يصدر أحكامه القطعية بتبعية الملكيات ومجلس الدولة يضغط لتنفيذ هذه الأحكام وتقوم الدوائر العقارية بتثبيت ذلك على سجلاتها وكل هذه الأطراف تتخذ كافة الإجراءات دون الرجوع إلينا) هذا ما صرح به رئيس مجلس مدينة طرطوس ملقياً باللوم على الجميع باستثناء البلدية التي لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها ولا حتي من أي الجهات وأضاف: (إن الاستملاك هو للطرقات والمرافق العامة وليس لجني أرباح مادية) وجهدنا مراراً وتكراراً بالشرح أن الطرقات موجودة فعلياً وحسب تقسيم المالك الأساسي ولكن المشكلة هي بيع الورثة حصصهم السهمية على الشيوع بعد تقصير البلدية قديماً والتي تزيدها حالياً بتسعير الحصص بأسعار فلكية بدلاً من المساهمة في الحل ففاجئنا بالقول الصاعق إن (هذه الأسعار وهمية) ومن هول الصدمة ورغم شرحه لنا عن وهميتها لكننا نعترف بعدم قدرتنا على فهم ما أراد إفهامنا إياه لنشرحه لكم (تحت تأثير الصدمة) واستعصى علينا أيضاً فهم وعوده الصارمة الذي أطلقها أمامنا بإيجاد الحلول لكل المشكلات المتعلقة بالعشوائيات في أرجاء طرطوس، إذا كانت هذه أولى القضايا وتمت معالجتها بهذه (الروعة)، ثم أصر مشدداً على أن الجميع يلوم البلدية دون وجه حق، انتهت المقابلة.
مطلب الأهالي.. والمصلحة العامة
من الظلم أن نلوم البلدية برئاسة وأعضاء مجلسها الحالي عن عدم الاستملاك منذ عقود والذي خلق هذه المشكلة، ولكن الأشد ظلماً هو تبرئتها الآن من كونها أصبحت محور هذه المعضلة بعدم اكتراثها واعترافها بتفاقم الوضع وتعقد الأمور بشكل كارثي ليكون السكان هم الضحية الأولى والأخيرة بينما يتسلل تجار العقارات بخفة ورشاقة محصنين أنفسهم بهذه القرارات التي يبدو أنها فصلت لصالحهم (لا يمكن فهم عكس ذلك) فهم باشروا بعروض لشراء العقارات من الأهالي بأسعار بخسة بحجة الرسوم المرتفعة وإذا أراد القاطنون شراء بعض الأسهم من البلدية فالبيع سيكون بالأسعار الفلكية المخمنة بشكل تعجيزي يفهم منه الضغط على الأهالي للبيع، والغريب أنه في حالة شراء الأسهم من البلدية فإنها ستقوم بمنحك رخصة للبناء وإقرار بالملكية بشكل يراعى فيه مكان عقارك تماماً وهذا ما تعتبره إنجازاً حققته لإنصاف القاطنين ويعتبره الأهالي دليلاً على أن الموضوع هو مجرد تحصيل مالي لا أكثر بدليل احتفاظك بعقارك كاملاً بعد الدفع وتنتهي المشكلة، و(الأنكى) من ذلك هو منح بعض (المتنفذين) رخص بناء حديثة على عقارات اشتروا أسهمها وقامت البلدية بتخصيصهم في المواقع الأغلى والمطلة على الشوارع بينما تحاول إقناع الجميع أن ما تفعله هو للمرافق والمصلحة العامة فلتتفضل وتبرر لنا ذلك، أليس الأجدى لحل هذه المشكلة العالقة منذ عقود إن كانت هناك إرادة حقيقية للحل وليس كما نرى حالياً أن يتم التخمين بأسعار منطقية يقبل بها الجميع وتكون بمتناول الأهالي الذين هم أساس القضية وليس تجار العقارات ومشترو الأسهم الذين من مصلحتهم بقاء أسعار التخمين الحالي، أو أن يتم استملاك الطرقات والمرافق أياً كانت على وضعها الحالي وإيجاد حلول معقولة لمالكي الأسهم غير القاطنين على ألا تكون على حساب الأهالي القاطنين كما يحدث الآن، وهذا تماماً هو مطلب الأهالي بكل بساطة.
كنان وقاف