الوحدة:22-10-2023
في كل عام يتكرر المشهد ذاته بعد ظهور نتائج الثانوية العامة، إصرار – من الأهل والطلبة في أغلب الأحيان – على الكليات الطبية والهندسية وكأنها الاستثناء في المجتمع ..مشهد يعبر في مضمونه عن نوع من انتشار ثقافة التفوق التي تفرض مقوماتها ومكوناتها ونتائجها على أفراد المجتمع على اختلاف أطيافهم ودرجاتهم. فماذا تقول الدراسات التربوية والعلمية عن تكريس هذه الظاهرة في المجتمع؟.
تؤكد الدراسات التربوية أن الرغبة في النجاح مع الإرادة القوية هما أول خطوات النجاح. لكن لماذا يتميز بعض الأطفال عن غيرهم من حيث القدرة على التحصيل الدراسي والتفوق الأكاديمي؟ ولماذا تتواجد في أدراج بعضهم شهادات التقدير والتفوق؟ فيما لا يحصل البعض الآخر على أي منها على مدار سنواته الدراسية؟ أسئلة جميعها تصب في حقيقة واحدة وهي أن كل صف يحتوي على أطفال متميزين وآخرين عكس ذلك ويبقى السؤال الأهم وهو هل هم متميزون بالفطرة والطبيعة أم أن المناخ الأسري والمدرسي يلعب دوراً في هذا التميز؟! الدراسات العلمية تناقضت فيما بينها حول أسباب تفوق بعض الطلبة على أقرانهم، ففي حين أكدت بعضها أن المناخ الأسري المناسب والذي يقوم على رعاية الأطفال دون سن الثالثة من عمرهم رعاية خاصة مليئة بالحب والتفاهم تشكل سبباً رئيسياً في تميزهم وقدرتهم على التأقلم السريع مع محيط المدرسة. وتضيف الدراسات نفسها أن هؤلاء الأطفال ينقلون خبراتهم وتجاربهم الإيجابية بما فيها علاقتهم مع والديهم إلى المدرسة، بل ويكون لديهم قدرات خاصة على التعامل مع مدرسيهم وأصدقائهم. وعلى الصعيد نفسه، يؤكد الأطباء النفسيون أن كل طفل يولد بشخصيته المنفردة والمختلفة عن الآخرين ولكن النوعين الأكثر شيوعاً هما: الشخصية الاجتماعية ونقيضها. فالطفل الاجتماعي بالفطرة غالباً ما يكون أكثر تميزاً من الانطوائي، حيث يكون لديه قدرة أكبر على التأقلم مع أي محيط خارجي يقابله. أما الطفل الانطوائي فيكون غير اجتماعي وليس لدية القدرة على التعامل مع أصدقائه ومدرسيه ويعاني من عدم القدرة على التعبير عن ذاته. كما أن هذا النوع غالباً ما يكون سلبياً وتحصيله الدراسي أضعف من غيره. لكننا، ومن خلال تعاملنا مع جميع أنماط الشخصية التي تميز أطفالنا، فإن ثقافة التفوق ، التي نرهق بها أطفالنا من خلال مطالبتهم بالتميز، ونقوم بعزل كل من لا ينتمي إليها, يدفع أطفالنا ثمنها باهظاً. فهم وفي سعيهم الدؤوب لعدم تخييب آمال ذويهم، يعانون ضغوطاً نفسية وإرهاقاً جسدياً قد يؤدي بهم إلى عقدة ذنب في حال تراجعوا لسبب أو لآخر. وهناك أسس يجب على الوالدين التقيد بها لتساعد الطفل على تكوين الصورة الإيجابية عن نفسه: كالرعاية والاهتمام من الوالدين غير المبالغ فيهما والشعور بالمسؤولية وتلبية حاجات الطفل الأساسية. وإعطاء الطفل الفرصة للقيام بالأعمال الناجحة والتشجيع المستمر مع الحذر من تكليفه بمهام صعبة تفوق عمره العقلي والزمني. فما علينا إلا أن نؤمن أولاً بقدرة أطفالنا ، ومن ثم إعطاء الفرصة لهم كي يحققوا أنفسهم، وبعدها سنرى الأمور تسير بشكل جيد، وستنقلب المعادلة الى الأفضل.
فدوى مقوص