الوحدة 17-10-2023
أم ماهر اتكأت على جدار بناء في الضاحية تتفيأ ظلال أشجاره، وقد أحاط بها عبق الطبيعة والبساتين الذي حملته من قريتها الجميلة،قالت لنا حين التقيناها: الحال بائسة والعيش قليل، ولا أرضى على نفسي أن أقاسم أولادي وأولادهم لقمتهم وأضيق عليهم أكثر من هذا الزمن الموحش، وما دمت بصحتي سأعمل، والعمل ليس عيباً، بل يعيبني أن أتكل على أحد أولادي الأربعة، ومعيشتهم على قد الحال، وبالكاد يدبرون أمورهم، بل هم يحتاجون أكثر مني لمن يعينهم. لدي البقدونس البلدي والنعنع والسلق والبصل وورق العنب واليقطين ودبس الفليفلة، وحتى المكانس من القصب البري، وعن المكانس البرية وصناعتها تقول: لها عندي أكثر من أسبوع ولم يسألني عنها أحد، مع العلم أنها أفضل من مكنسة الكهرباء وأكفأ في إزالة الغبار عن البلاط ولا تحتاج للكهرباء وعمرها طويل، وثمنها زهيد بالنسبة لمشاق جلب أعوادها من البرية والبساتين. كل يوم أحمل بضاعتي من الفاكهة والخضار وأجلس في هذا المكان، تجلبها لي جاراتي في المساء لأجل بيعها وأنال أجرتي، مثل باقة النعنع بألف ليرة، لي منها مائة فقط والباقي لهن، وغيره مما أصنعه في البيت مثل دبس الفليفلة أشتري الكيلو بستة آلاف ليرة وأبيع الدبس بأربعين ألف ليرة للكيلو الواحد، إن عملها شاق وطويل ويوم صنعتها بقيت لثلاثة أيام أتوجع، فقد لسعتني وأشعلت في يدي النار كما أن عمري ليس بقليل فقد تجاوزت السبعين سنة، وتابعت قائلة: هذا عملي وكسبي حلال والحمد لله “كافيها الله ومستورة”، أشتغل ويملأني الارتياح والسرور، والكل في هذا الحيّ يعرفني وبتّ أعرفهم يشترون مني بكل ثقة وأمان، وأنا لا أخيّب ظنهم بي ولا فساد لخضرواتي ومنتجاتي، ومؤونتهم الشتوية صنعتها لهم.
هدى سلوم