العـــــدد 9360
الإثنـــــين 3 حزيــران 2019
أتى العيد والعيون تراقب دقات الساعة والأيام ليكون أصحابها أول المبشرين بقدوم زيادة على الراتب الضعيف لطالما انتظروها بفارغ الصبر، فقد كانت محور حديثهم لشهور تحت أقبية مجالس الرفاق والأصدقاء من الموظفين المعترين وغيرهم المغلوب على أمرهم.
ضجيج وصراخ تعلوه ضحكات هستيرية ممزوجة بأوجاع في صبر، حيث كثرت هموم الناس وازداد سعيرها بين حجري رحى هذا الزمان، وقد كف يده عن العيش وكفاف الخلق وكان فيه احتراق حطب الأيام ليوهج جمر الحاجة والإفلاس، فتلسعهم نار المعاناة في كرّهم وفرّهم لتلبية حاجات البيت والأولاد والتي يندرج أغلبها تحت سقف ستر الحال، إلى أن جاءت التباشير وقضت نحبها بنزول الراتب في الصرافات وقبل الأوان بأيام، ورغم أن السوق يعيش اليوم أوج أيامه وكأنه في عرس، وقد تبرج بكل ما لذ وطاب، وزاد في جماله ألوان صنوف المواد الاستهلاكية والملابس والحلويات، فالعيد قادم وكل ناسه في جلبة وعلى تجاره ليس غلبة، ليعلو صوت أحدهم في المحل الذي استطالت بضاعته وطالت الرصيف وهضمت طرف الشارع بستاندات من بضاعتها وقد تبرجت ألوانها وأسعارها بكازينو وفرصة ببورصة تنبئ بنزول سعر صرفها بمناسبة الأعياد وتصريفها وبيع أسهمها بالحال وعلى منوال واحد تسمع (تعوا قربوا هلأ صارت البلوزتين ب1500ليرة بس) ليأتي منادٍ آخر من بعيد وينادي: (البلوزة بألف والبنطال 1500ليرة) تبدأ المزايدات لتنخفض الأسعار ويراها جميعهم مقبولة لكن (الجمل بفرنك وما معك فرنك)، أهل العيد وناسه مقبلون على السوق، ومدبرون لفرحه الذي يتسع رغم ضيق الحال.
* السيدة رندة تمسك بيمينها يد طفلتها التي ما زالت بلباسها المدرسي، فقد انتظرتها على باب مدرستها لتخرج من الفحص وتأخذها إلى السوق بعد أن نالت راتبها، تتجول وتدور في متاهته فالجميع فيه يحاول أن يبيع بضاعته بشطارة وذكاء، تتوقف عند أحد المحلات برهة وتخرج لآخر وقد احتارت في أمرها، فالبلوزة نفسها في المكانين ولكن في سعرها اختلافاً والحجة أن القماش أفضل والجودة أعلى، تقول: تحتاج صغيرتي بلوزة جديدة والصيف قد جاء كما العيد مناسبة جميلة خاصة عندما يكون فيه الجديد، لديها (بنطال) اشتريته لها الشهر الفائت إذ لا أقدر أن أشتري الثياب دفعة واحدة للعائلة ولا حتى لفرد واحد منا، لهذا (بمرق كل شهر قطعة لواحد لنشحتف بآخر الشهر) وأختها الصغيرة تأخذ ثيابها التي ضاقت عليها ويمشي الحال، الحمد لله المهم أن يكون الجميع بخير وبلدنا بخير وكل عام وأنتم بخير.
* سيدرا، طالبة جامعة ورفيقاتها يتجولن في السوق، أكدن أنه لا ضرورة للباس العيد ويشترين ما يلزمهن عند الضرورة ولا حاجة لإغراق الأهل بالديون وهن يعلمن حقيقة الوضع فالكل محتاج اليوم، ولا حاجة لإرهاق الأقارب بالمعايدات والزيارات، فالموبايلات تؤدي الواجب والفرض، ويقتصر على رسالة أو دردشة توصل رقة المشاعر والأحاسيس وما في القلب من حب وود، حتى يمكن أن ترافقها بعض الصور لأغلفة وورود وحلويات، وكلها (تاتش) بلمسة سحر تصل الأمنيات لأصحابها، وكل سنة وأنتم بخير.
* السيدة لما، وقفت عند محل لبيع التوابل ومواد الحلويات وقد اغترفت منها الكثير لتحمل أكياساً منها بأوزان وأرطال تقول: اشتريت الطحين والسميد والعجوة وأوقية جوز فقط حيث الأسعار نار، لكني أسعى للاقتصاد والتخفيف من المصاريف لكنه العيد الذي يفرض علينا اللباس الجديد وهو ما لا استطاعة لنا بشرائه اليوم والراتب قبضناه بقليله، لكن نجبر خاطر الأولاد بالحلويات شرط ألا تكون جاهزة من المحلات، أود وجارتي في البناء أن نصنع أقراص العجوة والمعمول، فالكيلو منها بالآلاف في السوق وليس فيها بركة والتي نبحث عنها كما في أيام زمان، حيث كانت جارات والدتي يجتمعن في بيت واحد ويصنعن مختلف أصناف الحلويات والأقراص وسط الفرح ومع قهوة الصباح تبدأ وينقضي النهار بشذى أنفاس عيد هلّ بأطياب، يقسمنها لتأخذ كل منهن حصتها التي نزلت عليهن بلذة وبركة، حتى أنهن يرسلن معنا نحن الصغار أطباقاً من تلك الحلويات لباقي الجارات التي لم تستطع إليها سبيلاً، آه كم كانت جميلة تلك الأيام في دور تتسع للفيف من الأهل والجيران والأحباب، والكل فرح بقدوم العيد، الكبار والصغار، أحب أن أقلد تلك الأيام وقد اتفقت مع جارتي أن نعيد ذكريات آبائنا ونعلمها لأولادنا ونصنع أمامهم ما يحلو لهم ففيه التوفير بالوزن والطعم واللون، وكل عيد وأنتم طيبون.
صغيرها تيم سبع سنوات أمسك بطرف بلوزتها بيد و(قبوع البوظة) بيده الأخرى، أشار ببعض كلمات أسفرت أنه يلبس ثياباً جديدة لكن الحلويات تنقصه، كما أن أجمل ما في العيد هي العيدية التي يأخذها من جديه عند زيارته لهما وتهنئتهما بالعيد، وعندما يحصل عليها تأخذها منه والدته بحجة أنه يمكن أن يضيعها لتضعها له في الحصالة، ولكنه يريد الذهاب للملاهي والمراجيح وأمه توبخه كل حين وتردد على مسمعه (ما في مصاري) وهو يقول لها اليوم (بالعيدية سأذهب للمراجيح).
في طرقات المدينة ترى بعض المتسولين الذي يكثرون هذه الأيام المقبلة على العيد، من بينهم قد اعترض أبو العز الطفل المسكين طريق الناس بما حملوه وحسب الموضة واللباس، وأي عز هو فيه، يستنطق البادي والغادي أن يدس يده في جيبه ويرمي له ببعض العشرات، فالعيد قادم ولا يرى له ألواناً، وملامح وجه مغبر لا عيد فيه وعنه بعيد، بعد أن سألته عن والديه الذين افترقا ولا يعلم عن أبيه شيئاً، فقد اختفى بين طيات الحياة وتفاصيلها، إذ لا يمكنه الإنفاق على عائلتين، واكتفى بعمله لعائلته الثانية، ليكون وأخوته الثلاثة يعيشون وسط ضجيج الخواء وصراع أمعاء تغالب الجوع، فليس بيده صنعة ولا عمل يجده غير طلب حاجته من الناس، فمنهم من يرأف بحاله بل أكثرهم لا يعيرونه اهتماماً، أما كيف سيقضي العيد ؟ يجيب والحسرة تربعت على وجهه وبصوت تحشرج بين بواطنه لتتدحرج أمامنا بقهر: ما بعرف..
جمعيات كثيرة (كبارنا، سوا، موزاييك..) نشروا فرح العيد على أسر انتظرت حظها ونصيبها من العيد، وقد حاولت أن توقظ في داخلهم المعتم كل أحاسيس الفرح والرجاء، لتشعل شمعة عيدهم في الدار ولتمتلئ قلوب صغارهم سعادة وسلاماً ولينعموا بأيام العيد كغيرهم من أولاد هذه البلاد، إذ لا يمكن لأحد أن يتخيل حزن طفل يتيم محروم من والده، وحجم ألمه حين يرى أطفالاً يمسكون بأيدي آبائهم ويمضون إلى أرجوحة العيد.
* السيدة نورا شداد رئيسة جمعية سوا الخيرية أشارت إلى أنهم كما كلّ عام وزعوا «لقمتنا سوا في رمضان» ولباس العيد للأطفال، وتراه أجمل عمل تقوم به جمعيتها إذ ترى في عيونهم بريقاً يشبه نور الشمس يضيء أيامها فرحاً وانشراحاً، وتود لو تستطيع أن تهدي كل طفل من بلدها ثوب العيد وتلمهم جميعاً، كما أهدانا آباؤهم السلام والأمان والعيد قادم بتضحياتهم وحياتهم، وترى أن فعلها اليوم جداً قليلاً أمام عظمة عطائهم، وأولادهم هم أمانة في أعناقنا وحق علينا أن نصونها ونحفظ كرامتها ونرعى شتلها ليكون بهم المستقبل.
تحتشد حياة أناس وعيد بكل تفاصيلها وتفصيلاتها على أرصفة المعيشة وحواف الطرقات، ووقع أقدام المارة على الرصيف تلسع مسمعهم وتصيب فيهم الفؤاد لتسمع تراتيلهم ودعواتهم لك بالانحناء، هنا الأسعار بانخفاض فلا ضريبة محل وبضاعة، كما على العربات و(الطبليات) التي طفت على سطحها كل الطيبات التي تتطلبها أبدان هؤلاء العباد، حلويات وخضار وفاكهة ونقرشات وغيرها من الزينة واللباس، ويقول أحدهم وهو يفترش الرصيف بخضروات ورقية وغيرها ويدردش مع صاحب طبلية تعبق بأنفاس الذرا: أريد أن أبيع بضاعتي كلها اليوم ولو بعتها ببعض العشرات، أريد أن يكون لولدي وأهل بيتي بعض من عيد كما كل العباد، فقدت أهلاً وأحبة في الحرب يكفينا حزناً وألماً، ولنعيش فرحاً مع النصر الذي حققه رجال جيشنا الأبطال وجعل أيامهم كلها أعياد، والحمد لله نحن صيام اليوم، وغداً هو إفطار وعيد وكل عام وقائدنا وجيشنا وأهلنا بألف خير وعيد.
شهر رمضان المبارك والأيام الفضيلة
قاربت أيام رمضان على الانتهاء وساعات قليلة تفصلنا عن عيد الفطر السعيد، وهناك من ينتظرها بفارغ الصبر ورغبة عارمة في الفرح والابتهاج بالعيد وأجوائه المميزة ولا بد من الاستعداد لاستقباله وكلٍ على طريقته، وخصوصاً تأتي بعد الصيام والصبر وتحمل الجوع والعطش.
* السيدة عواطف إبراهيم: العيد كلمة صغيرة ومعان كبيرة أفراح، مسرات، تهاني، حب، سلام، تسامح كلها مشاعر تلتقي في أيام العيد والجميع يفرح بقدومه ولكل شخص طقوسه الخاصة ففي عائلتنا في الأيام الأخيرة من الصيام تبدأ الاستعدادات بشراء الألبسة الجديدة والحلويات والهدايا والتحضير لاستقبال الضيوف.
مجموعة من الأطفال: في المساء نضع الملابس الجديدة أمام أسرتنا وننظر إليها بعيون مليئة بالفرح ونحلم بروعتها وجمالها وإلى أين سنذهب، وكيف سنحافظ على بهجتها ورونقها وهكذا إلى الصباح والاستيقاظ باكراً وتبادل التهاني وانتظار مصروف العيد، ولكن هناك فرقاً عن أيام زمان فلم نعد نستطيع الذهاب إلى الحديقة بدون الأهل بسبب الظروف التي فرضت علينا في هذه السنوات ولكن سنعمل على تعويض ما حرمنا منه.
* السيدة رنيم وأولادها باسل ونورس وريم، بعد استشهاد والدهم لم يعد للعيد بهجة ولا معنى كان يصطحبهم إلى الحديقة ويشتري لهم الثياب والهدايا، ولكن ذهب وأخذ معه كل المتعة والسرور والضحكات، وأقل ما يمكننا فعله زيارته في صباح العيد وقراءة الفاتحة على روحه واستعادة الذكريات الجميلة واللحظات التي عاشوها برفقته.
* السيد مروان: في العيد يجب التصالح مع أنفسنا والمسامحة والحنين إلى الأيام الماضية، اختلفت تحضيرات العيد كثيراً الأزمة التي عشناها فرضت علينا حلة جديدة، في السابق كنا نتسابق إلى الأسواق لشراء الملابس والحلويات، نخطط ونحدد الأماكن التي سنزورها أما الآن ففي صباح العيد تتزين الشوارع بباقات الأزهار والرياحين لزيارة الأحباب والغوالي في المقابر فتتبدل المشاعر والأحاسيس ولكن لابد من متابعة الحياة، والتعايش بسلام ونفكر بمن حولنا ونحاول تحقيق ولو القليل من السعادة لهم والتخفيف من معاناتهم لأن مشاركتهم أحزانهم وأفراحهم صدقة وإحسان.
السيد جعفر إبراهيم صاحب محل قال: فرصتنا ذهبية في الأيام الأخيرة نظل على مدار الساعة، اعتاد الناس على التسوق في كل الأوقات، وتتزايد حركة البيع والشراء وكمية المعروضات والموديلات المتنوعة والمختلفة وهذه الحالة تبعث في النفوس الراحة والطمأنينة والفرح رغم الحزن الذي خيم على حياتنا ومنعنا من الإحساس بطعم العيد، ويجب ألا ننسى أنه يوجد الكثير من العائلات لا يمكنها الشراء ولا حتى الذهاب إلى السوق.
* السيدة بتول: ما أجمل أيام العيد ومتعة التحضيرات سواء في التسوق والشراء أو تحضير الحلويات ولمة العائلة التي تتحول من وجبة الإفطار إلى موائد متنوعة ومفتوحة طوال النهار واستقبالات، ولكن لابد من وجود بعض العقبات وهي الغلاء وارتفاع في أسعار الحلويات التي تلعب دوراً في تحديد النوع والكم وأنا أكتفي بالقليل إضافة إلى تحضير بعض الأنواع في المنزل مثل كعك العيد الذي لا تكتمل الضيافة بدونه.
* السيد محسن اسمندر: اعتدت في أيام العيد على اصطحاب عائلتي إلى أماكن محببة بالنسبة لهم والأهم السفر إلى بيت جدهم في حمص وخصوصاً بعد الانفراجات التي نعيشها الآن من الأمان، ويمكننا التجول أينما نريد والذهاب إلى مدينة الملاهي والسوق وشراء كل ما يرغبون به ولا أهتم إلى المبلغ الذي أدفعه المهم أن أرى السعادة على وجوههم علماً أنني أحاول توفير المال من أجل أيام العيد.
* ختام أبو علي: العيد لمة وضجة أولاد وزحمة وتعب وإزعاج، أما تحضيرات العيد لا بد من وجود معمول العيد وغريبة في المنزل بنفس شهية.
ليس هناك فرق بين العيد أيام زمان والآن لأن العيد فرح ورحمة ولكن سنة بعد يصبح أصعب وغصات الإنسان بزيادة وليست بنقصان والمعوقات كثيرة أهمها دائماً نرى الأشياء الجميلة تعجبنا ولكن هناك الأهم وخصوصاً الحال فوق التعبان.
هدى علي سلوم- معينة أحمد جرعة – حليم قاسم