الوحدة : 12-10-2023
أداوم على قصد الأسواق يومياً وفي آخر النهار، حيث تبدأ التخفيضات، وهبوط أسعار الخضار.
فالفواكه أصبحت عندنا من الكماليات والجماليات، وبالكاد نشتري حاجتنا من الخضار وما قل وجف لبطن المطبخ والأمعاء، والمونة أضحت في النهائيات، ولا استطاعة لنا بها في هذه الأيام، إذ بالكاد نؤمن طعام الأولاد، هذا ما أشارت إليه السيدة سناء في لقائنا معها وهي تقف بجانب بائع يسوق لبضاعته من فليفلة ذابلة حمراء وهي تساومه على السعر وتجادله، فتلتفت لي وتقول: نحاول أن ندخر بمطابخنا لقادم الأيام والشتاء، فالبراد والخزائن فيه تصفر من الهواء الطلق فيها والفراغ، حيث تشكو القلة والخواء، لكن يبقى في نفوسنا هاجس التدبير، ولا يأخذ منا اليأس، فأهل الخير كثر حتى في الأسواق (ولو خليت خربت)، فهناك من يدلل على بضاعته ولا يرجع بها لبيته خائباً لتذبل وتموت، فأصبر لآخر النهار أنا وجارتي أم جاد لنشتريها بسعر زهيد لأجل طبخة الغد، ولكن في هذه الأيام علينا تدبير المونة، والفليفلة الحمراء في رأس القائمة ومن الأوليات فهي تشكل الأساس للفطائر والمعجنات والمكدوس و الطبخ وفيه للنكهات، لكن أسعارها اليوم جمر ونار، ولأجلها أقصد السوق يومياً والأمل لم يفارقني بأني سأشتري بسعر مقبول، مع أنه لم ينخفض سعرها، وما زال يتأرجح مؤشره على الخمسة آلاف، وبتنا نقترب من نهاية موسمها، والأولاد يسألونني كل يوم عن المكدوس والفطائر الحمراء، لهذا قررت اليوم ألا أعود للبيت دون فليفلة ولو كانت ذابلة أو مبتلة بماء وجهها وتنزف من سوء حالها سأشتريها لأدبر الفاقد في مطبخي وأجبر خاطر الأولاد، والحمد لله على كل شيء.
أم سعاد أشارت إلى أن والدتها تجهز لها مونتها منذ سنوات فهي موظفة واعتادت على الأمر بأن توكل هذه المهمة لأمها والتي عودتها على ذلك ولم تتذمر يوماً، لكن صغيرتها بالصف العاشر طلبت منها أن تزور جدتها وتساعدها هذا العام ولبيت رغبتها، فقالت: لم أعش أجمل من ذاك اليوم حيث قطفنا الفليفلة من البستان، ونظفناها وقطعناها وسلقنا الباذنجان وسط لمة الأقارب والجيران، وكأننا في احتفال، ولم نشعر بمرور الوقت والجوع حتى جاء المساء حيث قامت صغيرتي بشوي دجاجة من دجاجات تربيها جدتها على الجمر المكتنز في الموقد، فكان الفرح يغزو صغيرتي ووالدتي لأعدهما بالعودة كل حين.
أم إيليا أشارت بأنها تشتري دبس الفليفلة من السوق ولا تجهد نفسها مع أنها وصلت اليوم إلى الأربعين ألف ليرة للكيلو الواحد، ويشكل ربع راتبها، وتحتاج لأكثر من كيلو في السنة، لهذا تشتريها على دفعات أوقية وحتى نص أوقية كلما احتاجت لها.
أبو سامر قال: منذ أن نزلت الفليفلة إلى السوق ومن أول الموسم وزوجتي توصيني بطلبها لأجل المونة، وعندما أخبرها بالسعر تصرخ بأذني، دعها ففي الدكان القريب من البناء هي كذلك فلماذا تحملها من السوق؟ ولا تشتريها ويكاد الموسم ينتهي وسعرها على نفس الوتيرة لهذا جئت متأخراً بعد أن أنهيت أعمالي في المدينة وأتيت للسوق وأبغي شراء الفليفلة الحمراء، فقد تأخرنا بتحضير المكدوس الذي أشتهيه، وأخاف أن تماطل زوجتي في الشراء لنفقد القدرة عليه، ففي آخر الموسم يصبح ناراً وجمراُ في الأسعار، فالفليفلة خمسة آلاف والباذنجان مثلها و ستة آلاف عند بعضهم فكم كيلو لنا القدرة على المونة؟
يضحك باستهزاء ويتابع بقوله: (رزق الله على مونة أيام زمان)، أمي اليوم تردد على مسامعي قولها: (لما صارت المونة بكياس ما عاد قدرنا نطعمي حدا من الناس).
هدى سلوم