المخرج السينمائي وليم عبد الله: رغم الركود الكبير الذي تعانيه السينما ماتزال تنبض بالحياة

الوحدة 25-9-2023

للفن السابع مكانة خاصة، ومميزة عند كثير من الناس حول العالم، ويبقى للحضور في دور السينما رونقه الخاص وطقوسه الجميلة، ومهما تقدمت وسائل العرض وتنوعت تبقى لهذه الشاشة سحرها الخاص الذي لا يمكن أن يخبو على مر الزمن، وما يميز عشاق السينما ذلك التنوع الغني، حيث إنهم في كل وقت، وحين من جميع الشرائح الاجتماعية والمستويات الثقافية، تجذبهم بعشق وشغف، متعلقين بها بكل اللهفة والشوق من فيلم إلى آخر، يقبلون عليها في كل مرة بذات الحميمية وكأنه اللقاء الأول، مؤخراً لم يبق الشغف لدور السينما موجوداً وبدأ أغلب مرتادي السينما يتوجهون (للكافيهات الخاصة) لحضور فيلم في صالة خاصة استأجروها ورفاقهم، علّ ضالتهم تكون في هذا المكان الضيق الذي اختصر دور صالات السينما.
انطلاقاً مما سبق التقينا الكاتب والمخرج السينمائي وليم عبدالله للوقوف عند نقاط تخص الإقبال على السينما العربية والعالمية وعزوف غالبية الناس عن دور السينما وتوجههم لمقاهٍ خاصة لحضور فيلم..
– هل يمكن القول: إن السينما باتت تسلك طريق المسرح في الأفول؟
لا أعتقد أنّ السينما قد وصلت إلى هذه المرحلة، فرغم الركود الكبير الذي تعاني منه في الوقت الحالي إلاّ أنها ما تزال تنبض بالحياة، ولكن هي بحالة يُرثى لها في البلدان التي تعاني من ويلات الحروب كما هو الحال في بلدنا، وهي فعلاً قد باتت غريبة على الناس، فاليوم لم يعد لكلمة السينما أي وقع في نفوس من يسمعها كما كان في السابق.
– في الحروب تصبح الحاجة للفن بنفس أهمية الحاجة للخبز، فلماذا انطفأت السينما بدل أن تتقد في بلدنا؟
المشكلة هي أنّ تأثير الحرب وصل إلى المرافق الثقافية بنفس الوتيرة التي وصل فيها إلى المرافق الخدمية، فالسينما بدون كهرباء لا يمكن لها أن تقدم عروضها على سبيل المثال، وبنفس الوقت لا يمكن أن نغفل عن الواقع الذي عانت منه السينما في دمشق أثناء تساقط القذائف المتتالي على المدينة مما أجبر السينما على إغلاق أبوابها فترة طويلة حرصاً على سلامة مرتاديها ولكن الإغلاق استمر فترة طويلة مما جعل الناس تنسى أمرها تماماً.
– في حال قررت السينما العودة للظهور من جديد فهل هذا ممكن؟
إن كان هناك توجه لإعادة إحياء السينما فهذا جيد، فعندما توجد الرغبة ستوجد الإرادة وسيوجد النجاح فيما بعد، ولكن يجب تشخيص المشكلات التي تعاني السينما منها، فمثلاً يجب أن تكون الكهرباء متوافرة بشكل دائم إذ لا يمكن أن تقدم السينما عرضاً لمدة أسبوع ثم تخبر المتابعين أنها غيّرت توقيت العروض بسبب تغيير توقيت التقنين الكهربائي!! وفي إطار آخر، تحتاج السينما إلى ترويج كبير لعروضها وهذا ما تفتقده السينما عندنا، بالإضافة إلى نوعية الأفلام المعروضة وعدم مواكبة الإنتاج العالمي الجديد للأفلام.
– ظهرت اليوم العديد من مقاهي السينما، وهي نوعاً ما، ظاهرة جديدة لعرض أفلام سينمائية لجمهور محدود يرتاد هذه المقاهي، فهل ستلغي هذه المقاهي صالات السينما في المستقبل القريب؟
لا يمكن إنكار أنّ هذه الظاهرة الجديدة جميلة من حيث شكلها ومضمونها، ولكن لا يمكن لها أن ترتقي لتحمل كلمة سينما، فالسينما ليست فقط عرض فيلم، وإلاّ كان الناس يبقون في المنزل ويشاهدون ما يحلو لهم من أفلام، السينما هي مقر ثقافي وفني في غاية الأهمية والجمال، فالفيلم الذي يُعرض في صالة السينما يختلف اختلافاً جذرياً عن الفيلم الذي يمكن أن تعرضه مثل هذه المقاهي، هناك معدّات للصوت، مهمتها توزيع الصوت بشكل متوازن في الصالة ومقاعد خاصة للمشاهد وشاشة كبيرة مصممة لتحاصر نظر المشاهد أينما نظر أمامه، بالإضافة للمقاعد المصممة للعروض السينمائية أو المسرحية، قد يعتقد المرء أنّ هذه المعلومات غير مهمة لكن في الحقيقة هي في غاية الأهمية، فالسينما ليست فقط فيلماً يعرض على الشاشة وإنما هي جوّ عام مهمته إشراك المشاهد ودمجه في عناصر الفيلم الفنية، وكانت سينما الجيود في فرنسا خير مثال على ذلك.
لذلك لا يمكن لهذه المقاهي أن تقترب قيد أنملة من المقارنة مع السينما وتبقى مجرد نشاط ترفيهي يقوم به بعض محبيّ الفن ورواد السينما الذين افتقدوا السينما الحقيقية.
– نعلم جميعاً أنّ معظم الأفلام العالمية مسيسة لخدمة مشروع ما أو فكرة تجارية ما، حتى أنّ بعضها يصل لدرجة تخريب بنية اجتماعية في بلدان كثيرة، هل برأيك يمكن صناعة سينما تواجه هذه المشاريع؟
مشكلة الصناعة السينمائية أنها غير مستقلة، هي تتبع دائماً إلى رأس المال بسبب الكلفة الكبيرة التي يحتاجها الفيلم، لذلك أيّ توجه للفيلم سيكون مرتبطاً بتوجه صاحب رأس المال، لذلك أيّ محاولة لمواجهة هذه الأفلام ستكون بإنتاج أفلام مجابهة لها، وهنا تكمن المشكلة، فإنتاج أفلام مجابهة لها يحتاج لرأس مال ضخم وهنا علينا البحث عمّن يمتلك هذا المال ويمتلك الفكر الإيجابي ليسخر ماله في هذه الصناعة.
– ما هو دور السينما الحقيقي في مجتمعاتنا؟
منذ لحظة انطلاقتها الأولى، لعبت السينما دوراً مهماً في مجتمعاتنا، وكانت الأفلام تؤثر بشكل كبير على المشاهدين، بدءاً من الموضة والدعايات التجارية وانتهاءً بالدعاية الحربية والسياسية. فقد أرعبت أميركا العالم عن طريق السينما وصوّرت للعالم أنّ الجيش الأميركي لا يُقهر وأنّ المواطن الأميركي غال جداً على حكومته وقد تذهب وراءه لأي مكان حتى تحميه وتعيده، كذلك هو الحال في وضع الترويج لمنتج تجاري أو توجه فكري جديد، فقد تكون السينما سلاحاً خطيراً يستهدف الناس في عقر دارهم لاسيما بعد أن تجاوزت حصرها بصالات السينما لتصبح متواجدة بقوة في منصات الإنترنت وبالتالي متاحة للجميع في أي مكان من العالم.
من الجيد صناعة سينما إيجابية تهدف لبناء مجتمع صحي وصحيح ولكن هذا الأمر يبقى متعلقاً برأس المال المنتج وهو ما لا يمكن التعويل عليه.

نور محمّد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار