العدد: 9357
29-5-2019
رسمت على صفحتها البيضاء طفلة وقد أمسكت بيد والدها بقوة تتأبط فرح العيد وأولاده وأسواقه، و تنشد حدائقه وأرجوحته وتستطير إليها طرباً وفرحاً.
لم يكن رسماً من الخيال ولا أضغاث أحلام، فقد ذهبت إلى السوق وانتقت ثوباً تصبغه ألوان العيد، بل نالت أثواباً خمسة كما قالت آية لم ينلها طفل خارج دارها اليوم، حيث هي تسكن دار كفالة الأيتام لجمعية المساعي الخيرية الإسلامية.
في الطابق الأعلى من الدار غرف مزركشة بالآمال، سرائر مرتبة بأغطية وردية، ألعاب ودمى تناغي الطفولة وخزائن تنضح بالهدايا والهندام، وغرفة جلوس فيها مساند ومقاعد مريحة وآرائك للجلوس حيث توضعت صغيرات بعمر سنتين وثلاث يتفرجن على التلفاز، وفي غرفة اتسعت بالمناضد والمقاعد التقيناها ورفيقاتها (سيدرا، غيداء، فرح، آلاء، ..) عيون تتوهج بنور ربها على كتاب، رغم مسحة الحزن في الصوت والقلب الصغير يضج وجعاً تتلمسه بسعيهن للنجاح والتفوق كل عام لمستقبل تأمنه مع أهل دارها الطيبين.
المعلمة زينب عثمان تدرس الصغيرات اللواتي التففن حولها بكتب وأقلام توقفنا عندها قليلاً لتقول : هذا جناح الفتيات ومثله عن الصبيان في الجناح الآخر وأردفت بقولها: أدرسهن مادة العربي بعد عودتهن من المدرسة ظهراً كل يوم لتقويتهن وتعزيز دراستهن، هن عشر فتيات بصفوف مختلفة وتشاركني في التدريس معلمات بمادة الرياضيات والانكليزي و.. لنغطي مواد المنهاج جميعها، وأنا في الدار منذ 16 عاماً.
الشابة الصغيرة إيمان بعمر 15سنة أشارت بأن والدها توفي برصاص غدر في حمص، وهي في الدار مع أخوتها الأربع منذ كانت بعمر السبع سنوات، أختاها بالصف السابع والسادس وأخوة لها في الجناح الآخر بالصف الرابع والخامس فهي الكبيرة وقد أوصتها والدتها بهم، فهي لا تقدر على زيارتهم إلا كل حين حيث تعمل في مزرعة، تقول إيمان: أنا الكبيرة وقد أودعتني أمي وديعتها أن أترقبهم وأحرص على طمأنينتهم ونحن جميعنا مجتهدين والأوائل في صفوفنا وفي الغد سأكون محققة كما في الأفلام والمسلسلات، عندها استوقفتها بسؤال كيف يقضون السهرة وباقي اليوم. لترد بالسهرة الصغار يتفرجون على أفلام كرتون والكبار يمكنهم مشاهدة المسلسلات، كما نلعب بأوراق الشدة في أوقات الفراغ ونجلس في الحديقة أو نقصد الملعب لأجل كرة السلة أو الطائرة، وأكدت أنها وجميع من في الدار يأخذون مصروفهم اليومي وهو 300 ليرة للكبار و200للصغار ولا ينقصهم شيء فكل طلباتهم مستجابة، تتمنى ألا تبارح هذه الدار التي وجدت فيها عائلتها والأمان .
والدة (آلاء صف خامس) الحزن قد تولى بعد أن فتك بالنفس ونال من الأكباد والدة (آلاء صف خامس) تشكر أهل الدار على رعايتهم لأولادها بعد أن اشتكت من ثقل حمولتها والفقر قد تفشى بهم، تشتغل بالبيوت وتسكن بالآجار وقد أبقت الصغيرة في حضنها كي لا تستوحش غربتها وتعزل نفسها عن أمومتها، ولطالما طلبوا منها أن تضع الأربع بنات في الدار، تأتي لزيارتهن كلما استطاعت للأمر سبيل .
الأستاذ فواز دالي رئيس جمعية المساعي الخيرية الإسلامية باللاذقية أشار بداية إلى أن الجمعية تأسست عام 1928 وكان إشهارها عام 1960 تتضمن ثلاث مؤسسات (دار كفالة الأيتام ومستوصف مجاني يضم 11 عيادة ومدرسة خاصة هي ثانوية عمر بن الخطاب للبنين والبنات) والتمويل ودخل الجمعية من عدة مصادر أولها التبرعات وبعض العقارات التي نقوم بتأجيرها واستثمار دخل المدرسة وأرباحها لتدار الأموال لأجل دار الأيتام والمستوصف .
في دار كفالة الأيتام إقامة كاملة يقدم فيها ما يمكن تقديمه في البيت (مأوى وملبس ومأكل ) وكحال كل بيت لدينا بعد الظهر وبعد المدرسة مدرسين للأولاد لتقويتهم ومساعدتهم في الدرس والواجبات وفي الطابق السفلي مطعم مجهز بكل لوازمه ومعداته وطباخين أيضاً لأجل إعداد ثلاث وجبات يومية ل45 يتيماً وعددهم يزيد وينقص إذ حين يبلغ الواحد منهم 14 سنة يرجع لأهله فله أصول وشهرة، يعود لمن أودعه لدينا جده أو عمه أو خاله،كما أنه قد وصل عدد الأيتام في الدار منذ خمس سنوات إلى 70 طفلاً من مختلف الحافظات وقد عادوا جميعهم إلى ديارهم بأمان ليكونوا أقارب وأصدقاء إلى اليوم نتبادل التحية والسلام كل وقت وآوان.
وعند سؤالنا عن إمكانية التبني ، رد على الفور ليس عندنا والمسألة بحذافيرها تعود لمؤسسة (لحن الحياة في دمشق) هي من تتولى مثل هذا الأمر.
لدينا موظفة خاصة مرشدة نفسية وكادر تعليمي وطبي وإداري وهناك جمعيات تساعدنا في تدبر موضوع النشاطات الفنية والتشكيلية مثل: الأمانة السورية وأسرة الإخاء والهلال الأحمر والكشاف.. تقيم أنشطة لأولادنا تساعد في تنمية مواهبهم وانفتاحهم على المجتمع .
شروط قبول اليتيم لدينا بسيطة أن تكون سنه بين 4_14سنة ويكون له سجل مدني وأوراق نظامية كفيل هو أحد الأقرباء و(الباقي علينا) وليس في دارنا لقيط، كما أنه قد أتانا أولاد متسربون من مدارسهم وقد عملنا على إرجاعهم لصفوفهم .
في رمضان اليوم نعمل على مشروع قائمة به وزارة الشؤون الاجتماعية (لقمتنا سوا) فلدينا مطبخ في جمعية موزاييك ومطبخ آخر في جمعية رعاية الطفولة ولكننا نطبخ للأولاد ونعمل على دعم الجمعيات كل أسبوع ببعض الاحتياجات ليستمروا لنهاية رمضان وقد وزعنا 700 سلة غذائية لأسر محيطة بالدار حيث أن هذه الأحياء بعيدة عن الخدمات وفي أيام غير رمضان يقوم الهلال الأحمر بدورات لنساء الحي مثل : دورة (لمحو الأمية، الصحة الإنجابية، الإسعافات الأولية..) بالإضافة إلى التوعية نحاول أن نطور ثقافتهم ونعلو بهم بالتعليم .
ومعظم أيام رمضان أولادنا هم فيها معزومون على موائد أشخاص خيرين في المطاعم ومنذ يومين فقط كانوا في مطعم الميريديان وقبلها في مانويلا، سومر، بيوتي .. جهات رسمية تدعمنا وشركات خاصة تبعث لنا ملابس جاهزة ومواد غذائية مثل شركة (الجود وزين والراعي ..)كل فترة ومشكورون. فسورية تعم بأهلها الخيرين .
مدرسة الجمعية هي مدرسة خاصة برسم مخفض والتسجيل لأبناء الشهداء والجرحى مجاناً والمفقودين بنصف القيمة ومن لمؤكد للأيتام مجاني، هي مورد استثماري لدعم نشاطاتنا الأخرى، حيث أن الكشافة والطلائع يقصدون الدار ليقيموا فيها بعض النشاطات الترفيهية وأحياناً أخرى نشارك في مخيمات صيفية ومعسكرات ولنا في الرابع من هذا الشهر رحلة وطلعة إلى بلا روسيا مشكلة من 20طالباً لمعسكر بمدة 15 يوماً.
المستوصف يتضمن 11 عيادة تلم بمختلف الاختصاصات منها ست عيادات داخل مبنى الجمعية والباقي خارجها وكلها بالمجان، كما أن بعض الأطباء يستقبلون بعياداتهم المرضى مجانا حين نبعث بهم بورقة من الجمعية الدكتور نادر دهان و محمد الخير رغد حمدان ومحمد شاويش معتز فضلية وعبد اللطيف صنين، وفي
السنة الماضية 2018 بلغ عدد المراجعين 9700 مريض.
الجمعية كونها قديمة نحاول إنشاء مشفى خيري ولدينا قطعة الأرض، الأوراق موجودة في مجلس البلدية وإن شاء الله يرى مشروعنا النور قريباً ,وهو الأهم مشروع لدينا وقدرته الاستيعابية 120 مريضاً المخططات موجودة لتسعة طوابق يشمل عمله إجراء عمليات أساسية وأهمها غسل الكلى وهو هدف أساسي وضروري في منطقة تبتعد عنها المشافي وفي مفكرتنا أيضاً مشروع آخر فيه دار للعجزة وجميع مشاريعنا لخدمة المواطن والوطن.
في جولة على العيادات التقينا الدكتور وليد مدير المستوصف: لدينا كل الاختصاصات في عياداتنا الداخلية والخارجية وجميعها مجاناً وليس غير السنية بأجور زهيدة، ولدينا صيدلية لصرف الدواء بالمجان أيضاً إذ يتوافد إلى المستوصف 200 مريض قلبية وحتى من يقصد عيادات خارجية يمكنه أن يأخذ الدواء من صيدليتنا في يوم الأربعاء من كل أسبوع كما لأصحاب الأمراض المزمنة ولا يمكننا قطعهم أبداً منه، ولدينا العكازات والكراسي المتحركة لمن يحتاجها، وقد رفد المستوصف بمخبر حديث سيباشر العمل فيه قريباً جداً بعد أن تم تجهيزه بالمعدات والأجهزة اللازمة لتحاليل بسيطة مبدئياً، ويوجد من يشاركنا العمل والواجب وهن أربع ممرضات وإدارية .
الدكتور أحمد _في عيادة الداخلية ، منذ ثلاث سنوات تخرج ليعمل في الجمعية ويراه عملاً مجدياً وإنسانياً ويحبه ويقول: يأتي يومياً للعيادة ما بين (15_30) مريضاً ليكون له كل الخدمات الصحية مجاناً كشف ومعاينة وأدوية وغيرها الكثير حيث أنه لدينا خدمات ووسائل ولاستقصاء ممكن أن يكون بها مسح لبعض الأمراض والحالات التي تقصد الجمعية وعياداتها متل الأمراض الانتانية والإسهالات و..لنبعث تقريراً للصحة كل شهر للحالات التي لجأت للجمعية واليوم بتنا نرسل تقريراً لمديرية الشؤون الاجتماعية للمسنين والنسائية، لدينا في العيادة جهاز (تخطيط، رذاذ، سكر..) ولا نحتاج لغير جهاز إيكو فقط (والله يقدرنا على فعل الخير)
هدى علي سلوم