إقــــبال أهـــل اللاذقــــــية على شــــــراء الـــكتاب لافــــت وأول مــــبادرة اســـتعارة مجــــانية
العدد: 9357
29-5-2019
دراسات كثيرة تتناول نسب القراءة في العالم عامة والعالم العربي خاصة، وتظهر معظمها أن أمة اقرأ لا تقرأ، سواء تلك الصادرة عن منظمات عالمية كالأمم المتحدة أو هيئات ومؤسسات خاصة؟ وتشير معدلات القراءة المتدنية هذه إلى خطر بالغ يتهدد المجتمعات المتدنية المعدلات باهتمامها بالكتاب، وفيما يلي نلقي الضوء على واقع الإقبال على الكتاب والقراءة في محافظة اللاذقية، مستعينين بعيّنات هامة جداً كونها مراكز بيع كتب عبر عقود وهي مؤشر حقيقي وصادق على واقع الكتاب وطلبه، بل وأكثر مصداقية بكثير من الدراسات التي تصدر هنا وهناك المشكوك بدقتها وخاصة أنها على أسس ومعايير غير معروفة قياسياً.
مكتبة كردية- أو عالم الكتب كما سميته، الذي من غير الممكن أن تطلب كتاباً منه إلا وتجده، وإن لم يكن موجوداً وهذا نادراً ما يحدث فيستطيع صاحب المكتبة (الوليد أنيس كردية) تأمينه وبسرعة وعن أسئلتنا المطروحة أعلاه يجيبنا الوليد بكل شغف واهتمام بالموضوع فيقول: تلك الكتب الموجودة في مكتبة كردية إرث أعتز به من والدي وقبله جدي، أكثر من 80 عاماً (ثمانية عقود) ومكتبة كردية مركز بيع كتب ليس فقط لسكان اللاذقية ولكن لكل قاصٍ ودانٍ.
هو عمل أو مهنة تعودت عليها منذ طفولتي وعايشتها لثلاثة عقود وأعرف تفاصيلها وأسرارها، وكل شاردة وواردة فيها، فلذلك كل ما سأقوله سيكون بمنتهى المصداقية والخبرة.
الإقبال على شراء الكتاب هو جيد، وأحياناً يكون أكثر من جيد، ومن كل الأعمار والخلفيات الثقافية، وأهل اللاذقية محبّون وشغوفون بالقراءة، بعكس الصورة الإعلامية المروّج لها، وبعكس الدراسات التي تقول: إن العرب لا يقرأون، وأنا قد لا أعرف عن العرب، ولكن عن أهل اللاذقية وبكل ثقة أجزم وأقول نحن شعب اللاذقية نحن شعب نقرأ ومن يقول إننا شعب لا يقرأ هو الذي لا يقرأ.
المراقب لحركة البيع والإقبال على الكتاب سيؤكد ذلك ولو لم يكن العمل في المكتبة (كردية) جيداً لأقفلنا، وما قدرنا الاستمرارية على مدى أكثر من 8 عقود، ولما طورنا المكتبة التي صارت معروفة في العالم، وتأتينا طلبات للكتب من دمشق وألمانيا والسويد ودول الخليج، ومن كل المحافظات السورية، أيضاً دليل على إقبال الناس على الكتاب هو إرسالي لـ300 شحنة ثلاثمائة شحنة خلال 8 أشهر.
وبالنسبة للأسعار التي تحججت بها الدراسات، فمن خلال تجربتي أقول: الكتاب ليس غالياً ولكن ضعف القوة الشرائية بالليرة السورية هي التي أثرّت على القارئ جزئياً طبعاً، وليس كلياً فسعر الكتاب كحد وسطي بين 2000- 2500 ليرة سورية ومع ذلك الناس المحبّة للقراءة والمتعودة والشغوفة بالكتاب لا زالت تشتري ولم تتوقف يوماً مهما كانت الظروف.
ونحن كمكتبة (كردية) وإيماناً منا بأهمية الكتاب ونشر الثقافة كانت لنا مبادرة وهي الأولى من نوعها في محافظة اللاذقية وهي مبادرة (استعارة مجانية للكتاب) حيث يقوم أشخاص بالتبرع بكتب لا يحتاجونها ويريدون للآخر الاستفادة منها ويستطيع كل من ليس له قدرة على شراء الكتاب أن يأتي ليستعير من الكتب الموجودة بمعدل كتاب واحد في الشهر، وهناك من تبّرع بمبلغ من المال من أجل دعم هذه المبادرة وإضافة عناوين كتب جديدة والإقبال أيضاً على هذه المبادرة كبير أيضاً ويؤكد حب شعب اللاذقية للقراءة والثقافة.
وهنا أحب أن أشدد على دور الإعلام المسؤول في تغيير الصورة الخاطئة عن الإقبال على الكتاب، والتي تظلم أهل اللاذقية كثيراً لأن للإعلام أهمية برأيي أكبر من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي وهذه الأخيرة لها إيجابياتها ولكنها تبقى محدودة التأثير بالرأي العام بالمقارنة مع الإعلام الرسمي عبر التلفزيون أو حتى الجرائد والراديو، وأكاد أجزم أن أغلب الدراسات التي تحدد نسب القراءة بالإحصائيات خاطئة.
أما عن أكثر الكتب مبيعاً والإقبال عليها أكثر من غيرها، فأقول بالنسبة لي كله مطلوب كل الكتب علمية، فكرية، أدبية، دراسات بحثية، كتب نقدية، كله شغال حتى الرواية التجارية تباع مثل النخبوية وأعطي مثالاً مجموعة روايات (لعبة العروش) تباع أفضل من كتب باولو كويلو وأحلام مستغانمي.
وعن تأثير الكتاب الالكتروني على الكتاب الورقي أيضاً أؤكد من يقول :إن قراءة الكتاب الورقي في خطر، هو نفسه في خطر، ولأنه هو نفسه لا يقرأ وغير مطلع،
لا شك أن الكتاب الالكتروني سهل القراءة وأضاف للقراء بسرعة التعرف على الجديد، ولكنه يبقى (أي الكتاب الالكتروني) غير أساسي لأنه ملف بوسيلة ذكية، أما الكتاب الورقي مادة محسوسة باليد وسهل الحمل ويمكن الاحتفاظ به ليورث كوثيقة، في بعض الأحيان يكون الكتاب الالكتروني هو الأساس عندما لا يكون بمقدورنا الحصول على الكتاب الورقي، فمثلاً أنا شخصياً من المستحيل أن أقرأ الكترونياً عندما يوجد ورقياً، قد يساعد الكتاب الالكتروني الناس غير القادرة على الشراء وخاصة هناك من يقرأ كم هائل من الكتب ولا يستطيع شراءها لكثرتها بالخلاصة حل الكتاب الالكتروني موضوع الالتزام المادي عند بعض القراء محدودي الإمكانات المادية ولكنه لا يمكن أن يحل محل الكتاب الورقي أبداً يبقى الورقي هو الأصل والأقوى عند الجميع.
الوقفة الثانية كانت في مكتبة الشاطئ الأزرق الأشهر من نار على علم لكل سكان اللاذقية والمناطق المحيطة بها، كونها أيضاً مركزاً كبيراً لبيع كل أنواع الكتب وعن أسئلة موضوعنا أجابنا صاحب المكتبة أيمن سلوم قال:
حركة الإقبال على الكتب لشرائها أكثر من مقبولة قياساً على الظروف التي مررنا بها، وهي لم تتوقف يوماً فأبناء اللاذقية مشهود لهم اهتمامهم بالكتاب وشغفهم بالثقافة على اختلاف مشاربها، واللاذقية محافظة ولادة لأسماء هامة ومبدعة يشهد لها الجميع.
أبناء اللاذقية في تعطش دائم للكتاب، واليوم نرى إقبالاً أكبر عند جيل الشباب وتهمته بأنه مسطح التفكير واهتماماته بالنت على حساب القراءة والمطالعة وحبه للكتاب غير صحيحة، طبعاً ليس جميع الشبان يحبون قراءة الكتاب ولكن نسبة جيدة من هذا الجيل تأتي كل يوم وتطلب مختلف أنواع الكتب ولكن الأكثر طلباً هو الروايات الأدبية الحديثة وخاصة للكاتبة التركية إليف شافاك التي لها 6 مؤلفات والكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي والكاتب الفرنسية غيوم ميسو 8 كتب، ولا أنسى ذكر الكاتب الكبير أمين معلوف والطلب كبير على رواياته الثمان وخاصة (مقعد على ضفاف السين) وهو أحدث إصدار له، والكاتب دان براون مؤلف رواية (شيفرة دافنشي) الذي صدر له مؤخراً رواية حديثة بعنوان (الأصل) والإقبال عليها كبير جداً، وبالنسبة للأسعار مقبولة جداً ولا حجة لمحبي القراءة بالأسعار لأنها تناسب كل الميزانيات وحتى الفقراء جداً، وأسعارنا بالنسبة للكتب في بلدان عربية مجاورة كلبنان مثلاً هي أدنى بكثير.
وبالنسبة للكتاب الالكتروني لا شك له إيجابياته، ولكنه لم يساهم في تراجع الإقبال على الكتاب الورقي بل على العكس تماماً، يشجع القراء على شراء الكتاب الورقي لأنه يعرفهم مسبقاً قبل أن يخاطروا بشرائه، أيضاً المتعة الموجودة في قراءة الكتاب الورقي هي عكس الملل الذي يسببه قراءة الكتاب الالكتروني، والكتاب الورقي هو رفيق موثق يورث من جيل لجيل، عكس الكتاب الالكتروني المعرض لأخطار تكنولوجية تعرضه للفقدان.
كان لنا أيضاً وقفات منوعة سألنا خلالها هل تقرأ وماذا تقرأ؟
ميرال كالوسيان- طالبة جامعية: أنا أقرأ منذ كنت في الصف الثالث الابتدائي، كانت عندنا حصة في المدرسة نقرأ فيها قصة قصيرة من كتاب اللغة العربية ثم يقوم كل مرة أحد الطلاب بتلخيصها، وهذا خلق عندي منذ الصغر اهتمام بالقصص وبعد أن كبرت صرت أحب روايات الغموض والتشويق ولكن كنت أقرأ أكثر قبل دخولي الجامعة، ولكثرة ضغط الدراسة اليوم صرت مقلّة ولكن أحاول تمرير كتاب أو رواية لأقرأها كل فترة.
ليال مهنا- طالبة جامعية: بصدق حب القراءة واقتناء الكتاب، حديث الاهتمام عندي والسبب أخي فهو نهم للقراءة، أخذني إلى معرض للكتب في دمشق وهناك وسط هذا العالم الجميل تعلقت برواية لباولو كويلو ومن حينها أزور مركز كردية وأختار كتب الدراما أكثر من غيرها.
غيلدا خوري- طالبة جامعية: للأمانة حاولت كثيراً أن أتعلق بكتاب ما وأكمله لكنها لم تحصل معي لغاية الآن، فكل ما قررت أن أقرأ كتاب تحدث معي ظروف تمنعني من إكماله وفي الحقيقة لا أحد في بيتنا يقرأ لا أبي ولا أمي ولا أختي كلهم غير مهتمين بالكتاب نهائياً وهذا غير مشجع على القراءة لأي كتاب، محاولاتي كانت عن طريق رفيقة لي، ولكن كما ذكرت لم أكمل قراءة كتاب.
منتجب علي- عسكري: جئت أستعير كتاباً من المبادرة المجانية لمكتبة كردية، خلال فترة إجازتي سمعت عن المبادرة من تلفزيون الخبر، كنت طالباً جامعياً ولم أكمل لأنني التحقت بالخدمة، أعشق القراءة ويجذبني الكتاب المميز، لا يوجد نوع محدد، أقرأ كل ما يتوفر بين يدي وأقضي أحلى أوقاتي برفقة الكتاب.
سامر ديب- طالب جامعي: الكتاب جزء مهم من حياتي، وهو الذي يعطي الثقافة الحقيقية للإنسان ويجعل ذهنه وشخصيته مميزة بسبب المعرفة التي يكتسبها، أحب القراءة منذ صغري وأفضل قراءة الكتب الوثائقية والسياسية والسير الذاتية وطبعاً لى شرط أن تكون مميزة ومشهورة وتغني العقل.
مهى الشريقي