على طــــــــريق إعــــادة الإعمـــــار «12»..لابــد للجــانب الثقــافي أن يكـون ضــمن الأولويـات لرأب الصـدع بين القارئ والكتاب 2-2… إعمار الفكر بالقـــــــــراءة.. من أركــــــان إعــــــــادة الإعـــــمار الشـــــــــــاملة

العدد: 9357

29-5-2019

القراءة ليست مجرّد عادةٍ أو هوايةٍ يمارسها الإنسان لقتل الفراغ، إنّما سلوك ومنهاج يتّبعه من أثّر على نفسه حبّ الكتب وعشق رائحتها، إنهّا شغفٌ يصيب الإنسان ويزداد تعلّقاً به كلّما ازداد نَهَمه للقراءة وحبّ المطالعة، فتزداد أواصر الألفة بينهما، حتى يكاد لا يفارق الكتاب يديه، تراه يحتضنه في كلّ مكان، من البيت إلى الحديقة إلى وسائط النقل وحتى مكان العمل.. ولا تعدّ هذه العلاقة المميزّة حِكراً على المثقفين وأهل العلم والأدب وذوي الاختصاص، فأبوابها مفتوحة على مصاريعها لكلّ من اتّخذ من الكتاب صديقاً مخلصاً ينهل منه علوم المعرفة ويعزف فنون الحياة، ويتزوّد خير زاد.

لكن هل أمّة اقرأ، تقرأ؟ – الجواب في صميم كلّ منّا، وإن كان نعم، فماذا نقرأ؟.

تصدمنا أرقام الإصدارات الحديثة، سواء العامة أو الخاصّة، إذ أن دور النّشر لم تغلق أبوابها، لا بالعكس، مازلنا نشهد يومياً عشرات الإصدارات، وكذا حال المؤسسات والدّور العامّة، لكن السؤال من يقتني كلّ هذه الإنتاجات؟ وهل تلاقي سوقاً للتصريف؟ الإجابة كانت عند أهل الاختصاص، أصحاب المكتبات، الذين أكدوا لنا في جولة سريعة أنهم لم يتوقفوا يوماً واحداً عن بيع الكتب، لاسيّما خلال السّنوات الأخيرة، التي يعتقد البعض أنّ الحرب فرقت بين الكتاب وأهله، وشغلتهم يومياتها ومآسيها وأحداثها عنه، وبات تأمين لقمة العيش واللّهاث وراء الأمان و الاستقرار هاجساً للكثيرين، إلا أنّ كلّ هذه الحقائق لم تخلق سدّاً بينهم وبين القراءة، ولئن شهدت تذبذباً في وقتٍ ما، إلا أنها استعادت ألقها وحضورها في وقتنا الراهن.

ويؤكّد أصحاب المكتبات أن روّادهم ما زالوا على عادتهم القديمة، في اقتناء أو استعارة كلّ جديد، وحتّى القديم غير المقروء، فالنّتاج المطبعيّ غزيرٌ، يتحفنا يومياً بعشرات الأسماء الجديدة, والقديمة على حدّ سواء , مع الأخذ بعين الاعتبار طبائع واهتمامات المشترين, فلكلّ أهله وناسه, أدب، علم، اجتماع، اقتصاد، سياسة، فلك، أطفال، تربية… دون أن نغفل أن البعض يرتاد المكتبة لاقتناء الجريدة اليومية، وهؤلاء لا يحدّهم حدّ ولا يمنعهم مانع ولا يفرقهم عنها ظرف، يدمنون قراءتها، يحتضنونها كما لو أنها قطعة منهم، ترافقهم في دروبهم، وصباحاتهم ومساءاتهم، علاقاتهم معها أزلية وليست وليدة اليوم، هم الجيل الذهبي للقراءة، ولئن كان جيل الشباب اليوم ليس ببعيد عنها كل البعد، إذ نعرف كثيرين يواظبون على شراءها، ويجدون متعة كبيرة في تصفّح أوراقها، مع الحرص على تعريف أبنائهم بها، وزرع هذه العادة وهذا السلوك في يومياتهم، لتصبح جزءاً من روتين حياتهم، يطالعون ويطلّعون، يقرأون ويستقرؤون، لم تحل كلّ وسائل التكنولوجيا الحديثة والتواصل الاجتماعي بمواقعه وشبكاته المفتوحة،دون توطيد هذه العلاقة وترسيخها.
ونتطرّق هنا إلى القراءة الالكترونية، فالصراع أبديّ أزلي بين الحديث والتقليدي، كل واحد يدافع عن مقوّمات وأسباب وجوده، ويشعر بتهديد الآخر له، فالأجهزة الرقمية على اتّساع أشكالها وأنواعها وتقنياتها الأحدث، تفتح شهيّة أي ّ قارئ أو متصفح، وتضع العالم بين يديه عبر شاشاتها اللوحية، وعالمياً هناك اتجاه يؤكد أن سوق الكتاب الالكتروني يتطور بسرعة كبيرة ولاسيما أن تطور سلوكيات المستهلكين تقاس سرعته بالأشهر لا بالسنوات، فالقراء الذين يتذوقون طعم الرقمي ينجذبون سريعاً إليه، وتشير الدراسات إلى أن نصف قراء الكتب الورقية والرقمية في آن، مستعدون للتخلي عن الورق إذا عثروا على الكتاب الذي يبحثون عنه بشكل رقمي (بحسب وكالة فرانس برس).
وبمقارنة سريعة بين القراءتين الالكترونية والورقية، نجد لكل منهما نقاط قوة ونقاط ضعف، فالورقي متاح بين يديك، يمكنك العودة إليه في أي زمان ومكان، بينما يرتبط الالكتروني بضرورة وجود اتصال بالانترنت، إضافة إلى جهاز الحاسب كما أن الورقي يحفظ حقوق النشر والتوزيع، بينما تضيع النسخ الالكترونية على كثرتها وبالتالي لا حقوق لمؤلفيها ولا لناشريها.
الورقي يمكن تخزينه عشرات السنين، إن لم نقل مئات السنين، دون أن يتلف بينما تتعرض وسائل التخزين الالكترونية للتلف مع مرور الوقت، كما يؤخذ عليها عدم توافر أجهزتها في كل منزل أو مكان عمل لغلاء أسعارها إضافة إلى جهل كثيرين في استخدامها.
وإذا ما أردنا إسقاط ما سبق على واقع القراءة في سورية نجده يتطابق في كثير من مفرداته، مع التوجه الحالي إلى ضرورة بناء الفكر والعقل الإنساني قبل الحجر، وهنا نشير إلى إعادة إعمار الفكر بالقراءة أولاً وليس آخراً، ولعله التحدي الأكبر في المرحلة الراهنة، فدمار الحرب لحق بكل شيء، ولا بد من التركيز على استحداث فكر أيديولوجي جديد، ينفض عنه غبار الجهل والتعصب والتخلف ويجب وضع خطة شاملة تضطلع فيها المدارس والمراكز الثقافية ومديرياتها والنخب الثقافية والعلمية بأدوارها تتوجه ببنودها وقواعدها وأساسياتها إلى الفئات العمرية القابلة للاستيعاب والتغيير، ولاسيما صغار السن تستهدف عقولهم وأفكارهم وتستأصل ما علق في أذهانهم من ردميات الحرب البالية مع ضرورة ربطهم بماضيهم العريق وتراثهم الأصيل، فهم أبناء حضارة صدرت للعالم أجمع أول أبجدية وأول نوتة موسيقية، تاريخهم حافل بالأمجاد والأسماء الخالدة في سفر الزمان والأكوان، وهم أبناء سورية اليوم، تعقد الآمال عليهم وتبنى الأحلام والتطلعات على مقدراتهم وإمكانياتهم بيدهم نبني حاضر الوطن، وبعقولهم النيرة نطور ونحدث وبفكرهم وثقافتهم نعيد الإعمار ونجلي الحقيقة، ونزرع بذور الأمل فيهم بعودة سورية قوية منيعة مصانة بسواعدهم فإعادة الإعمار الفكري والثقافي لا يقل أهمية عن إعادة الإعمار المادي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.. لا بل يتفوق عليه في مراحل كثيرة ولا بد من التركيز عليه بشكل كبير خاصة وأننا في مرحلة حاسمة وكل فعل ورد فعل له آثاره ومنعكساته السلبية والإيجابية فأساس نجاة الوطن البناء المتين على قواعد صلبة متماسكة وإعمار الثقافة والفكر حجر أساس في إعادة الإعمار الشاملة.

ريم جبيلي

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار