على طــــــــريق إعــــادة الإعمـــــار «12».. لابــد للجــانب الثقــافي أن يكـون ضــمن الأولويـات لرأب الصـدع بين القارئ والكتاب 1-2

العــــــــــــــدد 9356

الثلاثاء 28 أيــــــار 2019

 

لا يختلف اثنان من أقصى الكوكب إلى أدناه حول الأهمية الاستثنائية التي يمثلها الكتاب في حياة الأمم، فالقراءة تساير التحصيل العلمي وتكمله، كما أنها ترتقي بالإنسان عالياً للتربع على درجات باذخة من التطور الحضاري بما فيه الأفضل دائماً لحياة تبلغها المجتمعات والدول في سعيها لتحقيق مفاعيل الإنسانية في عالم أقرب إلى المثالية، وكما يقال دائماً (الكتاب هو النور الذي يرشد إلى الحضارة). عندما نقارب تداعيات الحرب الغاشمة على وطننا الغالي لا يمكن أن نقفز فوق حقيقة الأذى الكبير الذي لحق بالجانب الثقافي وخاصة بما يخص الكتاب الثقافي، الأمر الذي انعكس سلباً على إقبال السوريين على القراءة و مجالسة الكتب، ما بين مطرقة تراجع المستوى المعيشي بفعل الحرب وسندان غلاء الكتب بسبب ارتفاع الكلفة الناتج عن العقوبات الاقتصادية الخارجية الظالمة وعقابيل الحرب، حرم السوريين إلى حد كبير من أنس الكتاب والتحصيل المعرفي والثقافي بكل ما يكتنفه هذا الواقع من مرارة وآثار سيئة على مسيرة تطور مجتمعنا وتقدمه.
يبدأ السوريون في هذا الفترة رحلة إعادة الإعمار البلد في قيامة مجيدة بكل العزيمة والشكيمة القوية، ومن الضرورة بمكان أن يكون الجانب الثقافي من ضمن الأولويات الحاكمة لهذه المرحلة بدون تسويف أو تأجيل لرأب الصدع بين القارئ والكتاب في واقع غير صحي متأتى من واقع الأزمة الحرج، ربما كان دعم الكتاب والعمل على إعادته إلى متناول جميع شرائح المجتمع أمراً شديد الأهمية لإعادة العربة الثقافية في بلدنا إلى سكتها الطبيعية ومحاصرة النتائج الضارة التي سببها الجفاء الحاصل بين السوري والحرف وهو الذي قدم للحضارة منذ فجر التاريخ اختراع الكتابة وأنار العالم بالحروف، ولا ننسى هنا بطبيعة الحال العمل بشكل مدروس ودؤوب على إعادة تفعيل الدور المحوري للمكتبات ودور النشر ولاسيما منها التابعة للقطاع العام على امتداد الجغرافيا السورية وخاصة المكتبات الجامعية اللصيقة بشريحة الشباب الكبيرة والتي تعد رافعة تقدم البلاد والضامن الفعلي لمستقبلها المنشود، وإعادتها إلى مكانتها المتقدمة في نشر المعرفة والتأكيد على ثقافة المطالعة وتسليط الضوء بكل الوسائل الممكنة على أهمية ذلك في ارتقاء الوعي الشعبوي والواقع المعرفي، ليعود السوريون إلى تأدية رسالتهم السامية ودورهم الحضاري الرفيع كعادتهم عبر العصور.

خير بداية ما قاله المتنبي: أعزّ مكان في الدّنى سرج سابحٍ وخير جليس في الأنام كتاب، هذا ما قالته مديرة مكتبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة تشرين د. رقية عيد عند سؤالنا عن موضوعنا الأساسي كيفية إعادة إعمار القراءة، وجاء سؤالنا: ما جديد مكتبة الكلية بوصفها أكبر مكتبة في الجامعة بعد الكلية المركزية فيظهر من خلال ارتياد الطلاب عامة، وإقبالهم عليها هذا العام وطلاب الدراسات العليا خاصة، ربما هي عودة على بدء، وهذا العود محمود، ودليل هذه العودة مرتبط بالملاحظات التي يسجلها المناقشون من أعضاء الهيئة التعليمية حول أبحاث طلاب الدراسات العليا المقدمة من قبلهم لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه، وبالانتقادات التي تتناول كيفيات اقتباس المعلومات من المواقع الالكترونية بشكل خاطئ، إذ إن أغلب ما ينقله الطلاب من الانترنت ينقلونه بشكل منقوص أو خاطئ، فهم يستسهلون البحث والسعي وراء المعلومات بين دفتي كتاب هنا وكتاب هناك لأنّ الانترنت يوفر لهم مادة جاهزة وتريحهم من البحث والتقصي والمداولة وترجيح رأي على رأي، وتقديم الحجة والدليل على صحة ترجيحهم له ومناقشته وأمام هذا الاستسهال يجعلهم يعتادون الكسل، ويبعدهم عن الاجتهاد، وجعلهم يخضعون لآراء الباحثين من دون مناقشتها مما يحولهم إلى أصنام علم تستقبل من دون أن ترسل إن جاز التعبير.
استدراك الأمر قبل استفحال القص واللصق
ومن هنا كان لابد لأساتذة الكلية من استدراك هذا الأمر قبل استفحال القص واللصق في إنجاز الأبحاث وانتقاد تلك الطرق وإعادة الباحث والطالب إلى الكتب ليستسقي منها معلوماته، وتعديل أبحاث الطلاب وفق إعادة توثيق المعلومة، وتابعت د. عيد: قام عدد من طلاب الدراسات العليا في الآونة الأخيرة بتعديل أبحاثهم وفق الملاحظات التي سجلها لهم أعضاء لجنة الحكم والذي كان أغلبها إعادة توثيق المعلومات التي استخدمها الباحث في بحثه من أصولها الورقية (الكتب) وردّ المعلومة إلى صاحبها، كي يتمكن الباحث من الحصول على دوجة علمية مستحقة.
إقبال الطلاب على المكتبة رهين إقبال أستاذه
وطرحت د. رقية وجهة نظرها من إقبال الطلاب على المكتبة وربطته بإقبال أستاذه واجتهاده، وهذا رأي شخصي لا يمكن اعتماده كقاعدة، فهناك كثير من الطلاب اجتهادهم ذاتي، فهؤلاء لا يستسيغون المعلومات الجاهزة إلا إذا اجتهدوا في إيجادها.
العلم قفل مفتاحه السؤال
فبعضها منقول على لسان من لم ينطق به وبعضها منقول على لسان آخر، وبعضها صحيح غير موثق، أي لم يستند إلى قائله الحقيقي، يجب أن نبتعد عن الاستسهال العلمي، فالعلم قفل مفتاحه السؤال وأسئلة العلم تحتاج إلى التقصي والبحث بين وريقات كتاب ورقي لا يمكن المساس به وتغيير مضمونه كما حال الكتاب الالكتروني وهو الضمان للوصول الآمن إلى المعلومات المستقرة التي تدعو الباحث للاطمئنان، لن يفقد قيمته مهما كثرت المواقع الالكترونية ورأت الدكتورة عيد أن أغلب أصحاب المكتبة الالكترونية هم تجار في النهاية فعندما يقوم بتصوير كتاب سكنر وتحويله إلى pdf لا يعني أنه كان دقيقاً في تصويره من الممكن أن يكون قد فوّت صفحة أو عدة صفحات من دون تصويرها، فيحمل الكتاب وهو ناقص، لذلك يبقى الكتاب الورقي الأصلي الجهة الوحيدة الموثوقة لاستقصاء المعلومات والأخذ بها، ويكون الفكر المطروح محفزاً للباحث ودافعاً له للبحث عن آراء تخالفه أو تتفق معه .فتظهر بذلك بشخصية الباحث ويصقل العلم تلك الشخصية لأن البحث والقراءة يحتاج إلى صبر طويل.
وختمت د. عيد: القراءة مفتاح سحري يفتح خزائن الكنوز في كل مكان، شرط أن تكون من كتاب فهو المعلم الذي لا يتقاضى أجرا و لا يعلم حتى يحركه القارئ بصمت ، والصمت حديث الأصدقاء يحرك ذلك الحديث الذهن والقلم وإذا تحرك القلم فهو الناطق القوي الذي يتكلم نيابة عن اللسان الضعيف.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار