القـــــــــــراءة اجتهـــاد يومي يحتاج إلى عـــوامل جذب ومادة مهمـــــة

العــــــــــــــدد 9356

الثلاثاء 28 أيــــــار 2019

 

* البداية مع وائل بحري، مترجم وشاعر: تراجعت القراءة بشكل عام على مستوى العالم خلال العقود الثلاث الأخيرة بفعل انفتاح الإعلام وظهور البث التلفزيوني الفضائي، ثم الانترنت بعدها، فأصبح أي ممثل أو مغنٍ مشهوراً ومعروفاً أكثر من أعتى الشعراء أو المفكرين، وفي العالم العربي، وحسب الإحصاءات، العرب هم أقل من يقرؤون الكتب، وتتركز معظم قراءاتهم في المجال الإعلاني أو الديني أو التخصصي.
على المستوى المحلي، تراجعت القراءة بشكل ملحوظ في سورية، شأنها شأن بقية العالم، منذ ما قبل الأزمة وبعدها، وذلك بسبب تغير الأولويات، وحالة إحباط يعيشها الناس من الوسط الثقافي عموماً، علاوة على ارتفاع سعر الكتاب نسبياً بالنسبة للعامة وسوء المنتج الثقافي البعيد عن هموم الناس وحياتهم، ومع ذلك، ستظل القراءة أحد أهم الاهتمامات لدى البشر كما كانت على مر التاريخ، وسيبقى شغف التعامل مع الكلمة المكتوبة متوقداً، لما لها من ميزات غير موجودة في وسائل المعرفة الأخرى، حيث يتيح الكتاب للقارئ تلقي المعلومة بكل حرية ويفسح له المجال بتكوين وجهة نظر خاصة دون أي تأثير خارجي.
لا بدّ من ضخ زخم جديد في عادة القراءة لدى الجيل الجديد وإقناعهم بجدواها، وتفعيل دور الكتاب في حياة الشباب على وجه الخصوص، من هنا، وبهدف تلافي الأزمة الثقافية، من الضروري الانتباه إلى المنتج وآلية تسويقه، إذ لا يجوز إلقاء اللوم دائماً على القارئ أو الشخص العادي، ولذا، تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة في التسويق للكتب الجيدة، وإرشاد القراء إلى الأعمال التي تمس حياتهم وتغنيها، سواء من الناحية العملية أو المعرفية، أتابع الصحافة والمواقع الالكترونية العربية والأجنبية، من النادر جداً أن عثرت على موقع محلي أو زاوية إعلامية (صحفية أو تلفزيونية) تجري مراجعة لكتاب معين أو عمل أدبي ما، هذه ثغرة كبيرة، تجعل من الناس جاهلين بعناوين الأعمال الجيدة وأسماء مبدعيها، ربما يقول البعض: إن الكتاب الالكتروني قد طغى أو أساء إلى القراءة، هذا الكلام صحيح في جزء منه، ومع ذلك فهو بديل جيد في ظل أسعار الكتب المرتفعة نسبياً، من جهة أخرى، يعود إقبال الناس على الكتاب الإلكتروني أو القراءة الإلكترونية نتيجة عدم التقدير الحقيقي لقيمة الكتاب، وهنا نتحدث عن الكتاب بوصفه ورقاً وغلافاً وجهداً هائلاً قد بذل من قبل الكاتب أو دور النشر لإخراج عمل إبداعي مستمر، إننا نرى أن أغلب الناس ليس لديهم فكرة عن مراحل إنجاز الكتاب، ولذا فهم يستهينون به وبمحتواه، وبالتالي بصاحبه.
في الختام، وفي المرحلة التي نعيشها ونظراً للحاجة الملحة لوجود حركة ثقافية تعيد ترميم ما هدمته السنوات الماضية في الإنسان، يجب اطلاع الناس، وخاصة جيل الشباب، على كل ما هو جديد ونافع لعوالمهم الروحية والمادية من أعمال أدبية أو فكرية، سواء كانت أجنبية أم عربية، وعدم الاكتفاء باجترار المنتج التاريخي الذي عفا عنه الزمن. وتشجيعهم من جهة أخرى على تطبيق معارفهم في سلوكهم وتعاطيهم مع الآخرين.
* الأديب زكريا الشعار: كلنا يعلم إن الأزمات الكبرى التي مرت بها الشعوب خلقت حالة من الخراب في البنى التحتية في مجتمعاتها، وفرضت حالة من العطالة شملت كل الاتجاهات، منها القلة وحتى الجوع، وصار البحث عن الرغيف أولوية الأوليات بالنسبة لم كان يقرأ، وأعني الطبقة الوسطى في المجتمع، وحتى الفقيرة أيضاً، إذاً توجد أزمة قراء فعلاً، وهذا شيء في ظل الظروف الراهنة، لكن كيف ترد الروح الى الكتاب، ويزداد جمهوره، فهذا رهن تحسن الظروف، والشعور بالأمانين المادي والنفسي وعودة الدعم للكتاب النظيف من وزارة الثقافة، التي نحسها الآن نتيجة الظروف مترهلة وتنقصها الكفاءات لصالح الدور الخاصة التي تنشر بدون تدقيق، وفي الغالب يكون المنشور خالياً من القيمتين الأدبية والفنية، وقد تم نشره لاعتبارات خاصة، ولن أخوض في التفاصيل.
لكن، وحتى يحدث هكذا انفراج، نجد هذا الإقبال الملحوظ على المنشورات الالكترونية وبخاصة على الفيس رغم مساوئه الكثيرة في تدني المنتج، لكنه أخذ دوراً متعاظماً على حساب تراجع الأول كما نوّهنا، ربما إيجابيته في كونه مهداً للتعارف والتواصل بين قرائه، ونجاحه في إقامة لقاءات وندوات أدبية وثقافية لهم على أرض الواقع، فكان الحضور أوسع من هذا الذي نراه في دور الثقافة الرسمية.. كيف؟ ولماذا؟ هذا شأن آخر.. وله حديث خاص.
إيجابية أخرى، استطاع بعض الفاعلين ومن خلال الفيس أن ينظموا دعوات لتوقيع كتبهم وتحصيل بعض ما دفع لنشره وذلك في غياب كلي لأي جهة داعمة.
والخلاصة: وبرغم كل العوائق التي ذكرت وما لم يسعفني الوقت بذكرها، سيبقى الكتاب له الصدارة في نشر المعرفة والثقافة، بقي الوصول إليه لمن استطاع سبيلاً.
* الأديبة أمل لايقة: بصراحة من خلال متابعتي لجديد المكتبات لاحظت مؤخراً أن نسبة مطبوعات الكتب التي تهتم بعلم الطاقة والبرمجة اللغوية العصبية تتصدر الواجهات بالإضافة إلى الروايات المترجمة وطبعاً أي كتاب جديد هو حالة صحية وتعني أن فعل الكتابة مازال قائماً على رغم قلة القرّاء، وللحقيقة أن عادة القراءة قد تكون تراجعت قليلاً إلا أنها لم تختف فأنا أجد الكثير من الناس مازالوا يميلون لكتاب ما أو رواية تستحوذ على ذائقتهم وتتلاءم مع حالتهم النفسية، أستطيع أن أقول إن القراءة الالكترونية باتت في متناول الجميع وسهلة التواصل والبحث، لذلك لا تهم نوعية الوسيلة للقراءة المهم هو الغاية منها، أرى من خلال تواصلي مع القراء أن الاهتمام بالقراءة لم يتراجع كثيراً إلا بسبب غلاء الكتاب وليس بسبب رفض الثقافة أو المعرفة، وأجد في الجيل الجديد بعض الميل للقراءة ويهتم بأن يجد كلمة أو جملة أو مقطعاً يجذبه لينشره على صفحته ليجمع أكبر عدد من الإعجابات أو التعليقات وكل ذلك ليس أمراً سيئاً فهو بالمحصلة يقرأ ويبحث عن شيء يرضي عالمه.
مسؤوليتنا كيف نعيد إعمار هذه الحالة الحضارية، كيف ندعم تلك الذائقة بما يجعلها تنسجم مع كتاب ما أو تلتفت لعنوان ما فيستهويها قراءته والانشغال بمحتواه؟ كيف نكون أكثر تأثيراً في هذا الجيل؟ أعتقد أن التربية هي الأساس، أن نركز على إعادة الإعمار منذ الطفولة، حين يجد الطفل جريدة في يدنا أو رواية ما فإنه من باب الفضول يحاول أن يقلدنا، وشيئاً فشيئاً يحاول أن يفهم ومع الوقت يطالبنا بالمزيد لأن وعيه تفتق على حالة جمالية ثقافية وإبداعية صقلت معرفته وأسئلته، نحن أمام انفتاح واسع الطيف سواء في المجتمع أو عبر التواصل الاجتماعي ويلزمنا الكثير من الانتباه لأن الثغرات التي يتسلل منها التراجع هي أكثر حضوراً، واجبنا أن نفتح باب الحوار والمناقشة مع هذه الأجيال القادمة لتدرك حجم ما هي مقدمة عليه.
القراءة اجتهاد يومي واستعادتها لمن فقدها أو فقد حماسه تجاهها تحتاج لجذب مادة مهمة تناسب اهتماماته وفضوله وميوله النفسية كما ذكرت سابقاً، وعندما تطرح المكتبات كتباً ذات قيمة بعناوين لا تتنافى مع المحتوى فإنّ الاقبال سيعود من جديد.. وعندما تنتج الكتابات الالكترونية نصوصاً تلقي الضوء على هموم ومشاكل هذا الجيل وغيره، فإن الإقبال سيعود وإعمار القراءة سيرتفع ويتكاثر، فقط علينا تكريس تلك الأشياء من خلال أحاديثنا اليومية.
* ريتا علي، ماجستير أدب عربي: منذُ القديم كان أجدادنا يقولون: كلّما كنتَ أكثر التِصاقاً بالأرض وبالأشياء من حولك، شعرتَ بتلكَ الحميميّة النادرة التي تسمح لكَ بأن تُعطي الأشياء من قلبك وتأخذ منها من قلبك وبكامل شعورك.
واليوم، ومع الأسف، ومع تسارع الحياة بشكلٍ رهيب، وتغيّر الأشكال والأشياء التي نتعامل معها وتفرض نفسها علينا يومياً، تغيرت معها الكثير من المفاهيم والقيم والعادات، وحلت التكنولوجيا بكلّ ثقلها وأمورها السلبية التي تضاهي إيجابياتها، بل أكثر محلّ كلّ شيءٍ أصيل.
وقد تكون من أهمّ الأمور التي تغيّرت وذهبت مع هذهِ الموجة إلى مذهبٍ باتَ بعيداً عن الأصالة موضوع القراءة الإلكترونية، وندرة التعامل مع الكتاب الورقيّ الذي لطالما كانَ ولايزال عند الكثير من العارفين بقيمة الورق وحميميّته موضع اهتمام وعدم تخلّي.
فقد فقَدَ الكتاب الورقيّ اليوم كثيراً من متعة قراءته والتعامل معه، بعدما حلّت النسخ الالكترونية التي تحمل إلينا الكتاب من آخر بقاع الأرض مكان الكتاب الورقيّ، وسهولة التحميل والنسخ واللصق والقراءة، واختصار المسافات البعيدة (بكبسة زرّ)، وتماشي ذلك مع طبيعة الحياة المتسارعة، واختصار الوقت والجهد في ارتياد المراكز الثقافية للحصول على كتاب واستعارته مدة محدودة من الوقت، قد يكون متوفّراً وقد لا يكون، بالإضافة إلى نمط حياة وتواكل هذا الجيل الجديد المأخوذ بسحر التكنولوجيا وأشكالها وأمورها السطحية التي حلّت محلّ الاهتمامات الأدبية والعلمية لدى أبنائنا، وانصرافهم إلى الاهتمام بأمور أخرى هي بالنسبة لهم أهمّ وأكثر متعة من القراءة، وهذا جزء خطير طبعاً من المؤامرة الموجهة نحو عقول شبابنا وشاباتنا منذ وجدت التكنولوجيا وتوجّهت نحو وطننا العربيّ.
* أحمد حسن طالب في كلية الهندسة التقنية يقول: إنّه يفضّل قراءة الكتب الورقيّة على الكتب الإلكترونية، حيث يجد متعة كبيرة في التعامل مع الورق أكثر من الكتاب الإلكتروني، حيث لا يستطيع الإنسان أن يقضي ساعات طويلة في قراءته عبر تلك الشاشة الصغيرة، بينما يعترف أنّ التكنولوجيا تخدم أبحاثه وسرعة إنجازه الأبحاث والاطّلاع على معلومات ومواضيع تخدم المشاريع المستعجلة، وتوفر عليه وقت وعناء طباعتها أو إيجادها ورقيّاً، بالإضافة إلى الأبحاث المتواجدة في بلدان بعيدة، حيث تخدمه التكنولوجيا في هذه النقطة من حيث توفير الوقت على الطالب.
* ميرا صالح، طالبة في كلية العلوم، تقول: طبعاً أفضّل تحميل الكتب الكترونياً على البحث عن الكتاب المراد في المراكز الثقافية والمكتبات لأنّ لا وقت لديّ كطالبة للبحث دائماً عنها، كما أنّ الكتب الإلكترونية تستطيع الحصول عليها بسرعة فائقة دون جهد وبزمن قياسي، ولكن أعاني من ألم في عينيّ جرّاء القراءة المتواصلة على الشاشة.
* سهى أحمد: موظفة في أحد المراكز الثقافية منذ خمس عشرة سنة تقول: قبل عدة سنوات، وقبل انتشار موجة التكنولوجيا بهذهِ الكثافة، كان عدد روّاد المركز الثقافي من الرجال والنساء وخاصة الطلاب كبيراً، ولكن اليوم لا تزال هذه الحركة مستمرّة، ولكن الملاحظ انخفاض عدد طلاب الجامعات الذين يرتادون المركز ويبحثون في الكتب الثقافية والعلمية والأدبية، وقد لجأت إدارة المركز الثقافي مؤخراً إلى أرشفة الكتب الموجودة إلكترونياً، ولوحظ العدد الكبير الذي يرتاد الموقع ويقوم بتحميل الكتب من الموقع أكثر بكثير من القادمين إلى المركز يومياً.
وفي الختام نقول، مهما تسارعت الحياة من حولنا، لا شيء يغني أبداً عن متعة التعامل مع الكتاب الورقيّ، ولا شيء يعوض عن تلك الحميمية التي تشعرنا أنّنا جزءٌ منه وهو جزء منّا.

ريم ديب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار