وفاة كل 9 ثوانٍ بسببه.. كيف نحـــمي أولادنــــا من التدخـــــين

العـــــدد 9355

الإثنـــــين 27 أيار 2019

 

صغار وسط انفجارات المراهقة وتفتحها الذكوري أو الأنثوي تشهد ساحتهم اليوم ولوع السجائر بينهم في أماكن عملهم ومهنهم التي احترفوها بعد تسربهم من صفوفهم وخلف سور المدارس والحدائق والكراجات كما تراهم يتسكعون بلباسهم المدرسي ويقصدون المقاهي والكافيتريات حيث لا رقابة أو توعية ولا حساب من المدير والأهل وحتى البيت الذي غادروه لإعالة أسرهم حيث غاب عنها سيدها وأوكله الهم والأمر، وكان فيما مضى يسرقها من جيبه ويبتعد عن بيته بالأميال ليدخنها، لكنه وصل إلى أن يفعل فعلته على مرأى أبويه ونصب أعينهما يجلس على الأريكة وينفث سيجارته وهما في تذمر واستياء لكنهما يتوجسان الخوف ليقول أحدهما (يدخن ويعمل كل شيء يريده أمامنا أفضل ما يكون دون علمنا) وليس باليد حيلة غير فتيل قداحة يشعل سيجارة ولده ويرافقه المراق كصديق ورفيق، فهو أمر طبيعي وحضاري لا يجوز لهما الرفض وينفقان المال ليكون بسعادة كما رفاقه الميسورين (وما حدا أحسن من حدا) رغم ضيق الحال فقد مد كل منهما رجليه خارج بساطه وفاق بقواه طاقة الاستيعاب بمدخلات خجولة ومخرجات بحمولة زائدة على الراتب المسكين ليحقق ويحلق برغبات الابن المصون.

تيم: 12سنة فقط وبيده سيجارة يجلس ورفاقه الذين لما اقتربت منهم هرب فرجوته أن يتمهل قليلاً ولا أريد به سوءاً، بل هو سؤال واحد فقط: لماذا يدخن؟ رفاقه ردوا: (سيجارة واحدة لا تؤذي، وكل الشباب يدخنون) وبعد سؤالي عن اسم الصغير الذي هرب وأخبروني (تيم) الذي يعيل عائلته المؤلفة من أمه وأختيه بعد أن فقد والده في حلب وأتى ليتعلم النجارة عند صاحب المحل وليكون رفيقهم الأصغر بفارق أربع سنوات وأكثر، نادوا على (تيم) ليحضر بعد أن هدأ روعه فبدأنا نسحب من فمه الكلام ليشير أنه يدخن لأن كل الكبار يقومون بالأمر، ووالدته تناديه بكبير العائلة وتوصيه أن يكون كذلك أمام أختيه والناس، وتعطيه الأولوية بينهن في كل شيء، حتى أنها مولعة بالدخان كما البكاء تعطيه السيجارة كلما أرادت التدخين ولا يراها تنزعج منه في أمر، بل تقول له: افعل ما يحلو لك فأنت رجلنا ومسؤول هذا البيت.
أما إسماعيل بالصف الثامن لا يدخن أمام والديه بل يتوارى خلف باب المدرسة مع رفاقه لتدخين سيجارة واحدة فقط كما يقول: هي سيجارة وليس أكثر (تنفيخة) مع الرفاق بعد جهد كبير في الدرس والحفظ، كما أنها (بتفش) الخلق، وعند سؤالنا كيف حصلوا على السجائر قال أحدهم: أخذتها من (باكيت) والدي، ثلاث فقط منها لا يمكن لوالدي معرفة الأمر حيث أنه منشغل بعملين صباحاً في المؤسسة ومساء على سيارة الأجرة – هذا في الأوقات الحرجة- أما إن كانت الحال ميسورة ونملك (خرجية) وافرة نشتري علبة ولا نعود للبيت قبل أن تنتهي حتى لا ينفضح أمرنا، نعزم عليها جميع الأصحاب ونذهب في نزهة قصيرة إلى الحديقة أو مكان نجد فيه الأمان، بعيداً عن أعين المتطفلين والمتذمرين، فوالدي لطالما رفض نصيحة طبيبه بالإقلاع عن التدخين وهو لم يفعل بل يضحك ويقول: ينصحني والسيجارة بيده، كما أن جدك عاش أكثر من مئة سنة وهو يدخن (الدخان ما بقصر العمر) كما يدعي الباحثون والمستكشفون، فليدعوا الناس بحالها.
جاد، في الصف العاشر وتعلم والدته بأمره، فهو يدخن مع أولاد أصحاب العائلة والجيران عند زيارتهم، كما أنه لم يعد يستلطفها كما السابق وقد لجأ للأركيلة فهي أبهى صورة والشباب مولعون بها لهذا يقصدون المقاهي والكافيتريات والتي يعتمدون تجارة ربح أكيد ورأسمال من أنفاس الأراكيل وعشاقها، كما يمكن حملها بخفة إلى الرحلات والنزهات وحتى قصد بيت أحد الأصدقاء لا يملك منها شيئاً، يضحك لتنسل منه كلمات فيها بعض النكتة ليقول: الأركيلة لها فوائد عجيبة، تبعدك عن الواقع وصعوبات العيش، تقيك شر الهم والمشاكل وتغرقك بالآمال، تبعدك عن الناس والقيل والقال، كما أن فيها لمة فرح وتسلية مع الأصدقاء والأحباء.
* المرشدة النفسية رغداء خير بك أشارت في لقائنا معها إلى بعض النصائح للأهل فقالت:
الأسرة هي أس بناء المجتمع واللبنة الأولى فيه، والطفل يحاكي البيئة المحيطة به،الأم والأب والأقارب ثم الجيران وبعدها الأقران، ويعتبر الصغير مقلداً أكبر للوالدين في كل تصرفاتهما، فعندما يشاهد أباه أو أمه يدخنان فمن الطبيعي أن يحاكي فعلهما، ونرى في الحياة اليومية ومن خلال تجاربنا كيف لبعض الأطفال وعدد لا يستهان به يقومون بالإمساك بأعقاب السجائر ويتلمسونها بالأصابع ليضعوها في الفم كما يقوم الآباء في رحلة التدخين.
من هنا تنشأ الفكرة وتصبح جزءاً من سلوكه ثم ينطلق إلى الشارع أو المدرسة يحاكي الأقران، فإن لم يكتسبها من الأهل يمكن أن يكتسبها من الأقران في ظل غياب رقابة الأهل وتصبح عادة لديه تتأصل في سلوكه، وكما نعلم في علم النفس (أن العادة كما تكتسب تمحى) وفي التكرار والمران يستطيع أن يمحو هذه العادة بالإضافة إلى توعية الأهل للطفل على أضرار التدخين ومساوئه وعلى الأهل أن يكونوا قدوة له ويبدؤوا بأنفسهم، وإن لم يقدروا يمكنهم على الأقل أن يتواروا عن أنظاره عند التدخين ويعرضوا أفلاماً عن التدخين ومضاره على الصحة وتأثيره على نمو الطفل بالتوازي مع الإقلاع عن التدخين، وإرشاده ولفت نظره إلى أعمال محببة عنده من خلال الميول والرغبات والمواهب التي يمتلكها بالعمل على تنميتها لإشغال الطفل عن عادة التدخين، وبالتالي هنا يمكن الدخول إلى عالمه لملء أوقات فراغه ومرافقته وتمضية وقت أطول معه داخل وخارج البيت ليكون تحت الرقابة ولتعزيز السلوك الإيجابي لديه من خلال المكافأة والثواب.
وأضافت: من أثار التدخين على المجتمع، فهو يؤدي إلى انحراف الطفل ومصاحبة رفاق السوء، انصرافه عن التفكير بالدراسة ومتابعة التعلم، وأيضاً المصروف المادي والإنفاق وأثره الاقتصادي على العائلة، بالإضافة إلى تأثيره على الصحة والأمراض التي تنشأ لدى المدخن الصغير.
يتعرض الشباب إلى حملات إعلانية فعالة لترويج التدخين يومياً وجذبهم إليه وتنفق شركاته مليارات الدولارات وبالمقابل تتضاءل الموارد لبرامج مكافحته، للتدخين أضرار صحية وبيئية واقتصادية واجتماعية و.. ويتسبب التدخين بوفاة أربعة ملايين شخص سنوياً أي بمعدل وفاة كل تسع ثوان، وثبت أن الشريحة المثقفة في المجتمع هي الأكثر اعتياداً على التدخين وهو ما يولد وفاتهم مبكراً، فإياكم يا أولي الفكر.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار