الوحدة : 9-8-2023
فن درامي مرتبط بشكل عميق بحالة المجتمع وانعكاس له والتقاط مفارقات الحياة والنطق بما يدور في أروقتها وكواليسها من أوجاع، تغوص في أعماق الوجدان الجمعي وتطرح همومه وآلامه وغيرها من الأعباء التي ترهق كاهل الذين يمارسون الحياة بصورة مضحكة وساخرة.
الكوميديا من أصعب الفنون، ضيف خفيف الظل يدخل بيوت الناس دون استئذان، تقوم بإضحاكهم بالرغم من الهموم المكدسة فوق رؤوسهم وصدورهم، تعتمد على السخرية والظرف واللقطة اللافتة جارحة كانت أم مضيئة وتصوير دقائق حياة الناس والحقائق المدهشة والمرعبة مهما كانت قاسية، وتثير في عين وعقل وقلب المشاهد تحدياً فكرياً وجمالياً عبر حكايا وسير ومواقف طريفة بقالب كوميدي تجذبنا وتجرنا إليها بحبال لا نراها وتجعلنا نضحك ملء قلوبنا حتى الثمالة وننسى همومتا ومنغصات عيشنا.
المادة الساخرة موجودة في كل تفاصيل الحياة ( اجتماعية – اقتصادية – سياسية)، والنص الكوميدي هو إبداع أدبي وفنيّ في تقديم المواقف الطريفة ونقض الظواهر والمظاهر التي تقض مضاجع الناس والمواءمة بين الأضداد والأشياء المتماثلة بروح من الإبداع والتجديد والربط بين المفارقة الواقعية والمفارقة المبتكرة من الخيال وجعل الخيال يعكس الواقع في توظيف وجري وراء أدق التفاصيل حيث الاقتناص الذكي لحالات الفوضى والوجع الحاصلة في يوميات حياتنا عبر فلاشات صغيرة ناقدة نجد بين لقطاتها الكثير مما يخالج أنفسنا وكأنها ترصد حركتنا وانفعالاتنا، والتلاعب بالألفاظ والحركات لإضحاك المشاهد وجذب اهتمامه للفكرة الساخرة المسخرة نحو هدف وقصد وواقع معاش، والكثير من المشاهد التي ظاهرها اللهو والتسلية وباطنها انتقاد الأخطاء والسلوكيات.
الضحكة صديقة الإنسان ترافقه أينما حل أو ارتحل وتختلف أسبابها من مكان إلى آخر، فما يضحك في بلد لا يضحك في بلد آخر، ومن وظائف الكوميديا تفريغ ما لدى الناس من ضغوط حياتية ونفسية وإطلاق الطاقات السلبية المكبوتة الناجمة عن مواقف مؤلمة مروا بها، ورصد القضايا الإنسانية الحياتية والتصدي للظواهر السلبية والشاذة وتقديم المفارقة التي يفتر لها الثغر مبتسماً بإدخال أمور غير معقولة ولا تخطر على بال لجذب وشد المشاهد ولفت انتباهه وانتزاع الضحكة في الظروف القاتمة وزرع الابتسامة الممزوجة برؤية انتقادية للمجتمع والواقع برغم ما فيها من المرارة والآلام.
بعض الكوميديا تعمد إلى تفريغ الأحداث من محتواها وتحويل الأمور العظيمة إلى حواديت صغيرة ومشاهد حشو وأحداث تافهة لا معنى لها ولا رابط بينها ولا يخرج المشاهد لها بفائدة تذكر…. نحن بأمس الحاجة إلى صنع الضحكة على وجوه عانت الأوجاع وبعث الأمل في النفوس والانتقال من اليأس والتشاؤم إلى الأمل، ومن الخمول والجمود إلى النشاط والعمل.
نعمان إبراهيم حميشة