الوحدة 31-7-2023
منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا يواصل الجيش العربي السوري مدّ جسور النضال والتضحيات في سبيل إعلاء راية الوطن، فهو معقِد رجاء السوريين، يذود عنهم ويزدادون به أمناً، وما خذلهم يوماً، فكان الجسر الذي ينقلهم دائماً إلى شاطئ الأمان رغم المحن التي مرت بها المنطقة.
التصق الجيش العربي السوري منذ تأسيسه بالمحطات والأحداث السياسية والتطورات في سورية والمنطقة وعلى امتداد الأمة العربية، فكان الحاضر الدائم في كل تلك المحطات، والفاعل الأهم في أحداثها وبيضة القبان التي كانت تحسم الخيارات دائماً بما يخدم القضايا الوطنية والقومية، وخاض عشرات المعارك والحروب تحت عناوين قومية ووطنية مجسداً وحدة المصير بين سورية والأمة العربية.
في العقد الثاني من القرن الماضي وبالتحديد قبيل قيام الثورة العربية الكبرى ضد الاحتلال العثماني بدأت تتشكل اللبنات الأولى وبشكل عفوي لبناء جيش عربي في سورية نواته سوريون وطنيون متزامنة مع بوادر يقظة عربية عامة لضرورة الانعتاق من نير الاحتلال العثماني، ونجحت الثورة العربية في تحقيق الاستقلال في أغلب الدول العربية ولا سيما في سورية حيث اندحر العثمانيون وانكفؤوا خارج الحدود، وأعلن عن تشكيل حكومة عربية مستقلة في العام 1918 وكان ذلك إيذاناً بتشكيل جيش وطني كان استحقاقه الأول التصدي لقوات الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون في العام 1920 ليتكرس الدور المهم والرئيس للجيش الوطني في جميع الأحداث والمحطات اللاحقة إلى يومنا هذا.
وحرصت القوات الفرنسية خلال احتلالها سورية على القضاء على أي بارقة لإعادة بناء جيش وطني خوفاً من أن يكون أداة حاسمة تقضي على وجودهم ليس في سورية وحسب بل في المشرق العربي.
وبعد فترة وجيزة على تأسيس الجيش العربي السوري في العام 1945 فرضت تطورات القضية الفلسطينية تأسيس ما سمي جيش الإنقاذ للتوجه إلى فلسطين لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ورغم أن الجيوش العربية حققت انتصارات محدودة إلا أن الجيش العربي السوري تمكن من تحرير الجزء الشرقي من سهل طبريا وجانب كبير من سهل الحولة.
بطولات الجيش العربي السوري في الذود عن فلسطين وقضيتها كرست صورته المشرقة في أذهان العرب قاطبة، وعندما بدأ العدوان الثلاثي على مصر من قبل جيوش بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني عام 1956 سجل الجيش العربي السوري حضوراً حاسماً ولافتاً في الدفاع عن مصر الشقيقة، وتمكن الضابط البحري السوري جول جمّال من إغراق المدمرة البحرية الفرنسية “جان بارت” وفي الوقت نفسه قامت وحدات الجيش العربي السوري بنسف أنابيب النفط المارة من أراضي سورية لمنع تغذية دول العدوان بالنفط العربي ما شكل سبباً رئيساً في وقف هذا العدوان.
بعد قيام ثورة الثامن من آذار جرى تكريس فكرة الجيش العقائدي التي أقرتها مؤتمرات حزب البعث العربي الاشتراكي قبل الثورة وبعدها، وأصبح الدفاع عن الأمة العربية مهمة رئيسة من مهام الجيش العربي السوري فتصدّى لاعتداءات الكيان الصهيوني على الأردن عام 1953 وفي عام 1967 كان رأس الحربة في التصدي للعدوان الإسرائيلي، ليشرع بعدها الجيش العربي السوري في بناء قواته وخاض حرب الاستنزاف ضد العدو ودعم المقاومة الفلسطينية حيث تكبد العدو الإسرائيلي في تلك المرحلة خسائر كبيرة بالأفراد والعتاد لتؤسس بطولات الجيش العربي السوري أرضية صلبة لامتلاك زمام المبادرة والاستعداد لحرب تشرين التحريرية التي غيّرت وجهة تاريخ المنطقة.
فبعد قيام الحركة التصحيحية في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد تم توقيع اتفاقية عسكرية مع مصر للبدء بحرب التحرير تحت شعار قومية المعركة، وعلى الصعيد الدولي تم تعزيز علاقات الصداقة مع الاتحاد السوفييتي آنذاك لبناء القوات المسلحة، فتعاظمت قوة الجيش وتم إحداث تشكيلات جديدة أحدثت تبدلات نوعية في تسليح القوات براً وبحراً وجواً، واتخذ القرار الاستراتيجي ببدء حرب تشرين التحريرية على الجبهتين السورية والمصرية.
وفي السادس من تشرين الأول عام 1973 بدأت مئات المدافع تصب نيرانها على جميع الأهداف المنتشرة في الجولان المحتل بالتوازي مع عشرات الطلعات للطائرات الحربية التي دكت مواقع العدو على امتداد الجبهة وسطر الجيش العربي السوري أروع ملاحم البطولة والتضحية.
وتابع جيشنا دوره القومي فتصدى في حزيران من العام 1982 للغزو الإسرائيلي على لبنان وواجه بشجاعة الثقل الأساسي لذلك الغزو، وكبد العدو خسائر كبيرة ونجحت قواتنا في منع العدو من احتلال البقاع ومن السيطرة على طريق دمشق بيروت، وقدم لاحقاً الدعم اللامحدود لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان إلى أن تمكنت المقاومة اللبنانية من تحقيق التحرير في العام 2000.
ولم يتوقف الجيش العربي السوري عن القيام بمهامه التي تعاظمت في ظل ظروف خطيرة حلت بالمنطقة بدعم وتوجيه من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وبعض أدواتها من التنظيمات الإرهابية في المنطقة خلال السنوات الماضية، فاندلعت الفوضى في كل مكان، وبدأت آلة الدمار عبر موجات متلاحقة من آلاف الإرهابيين فعاثت في سورية فساداً ودماراً، ليلبي الجيش العربي السوري النداء والواجب للتصدي لهذا العدوان الإرهابي غير المسبوق، وقدم التضحيات الكبيرة وما زال، وثبت كالسنديان بوجه أعتى حرب إرهابية عرفها التاريخ، ونثر النصر في أرجاء الوطن كحبات القمح.