وما زالت الحرائق تلتهم أطراف مشقيتا الجميلة.. (وما عاد بمزارعها ناس..) 

الوحدة : 27-7-2023

لليوم الثالث على التوالي، تتوافد القوى المؤازرة على جبهات النار في محيط قرية مشقيتا، والتي أفاقت اليوم على غياهب بحر من أمواج دخان، واستبشرت خيراً بما سمعت عن خمود النيران، لكن سرعان ما تبدد الضباب مع طلوع الشمس وانكشفت على حركة رياح صيفية بثت الأوكسجين لجذوة النار في الشجر المتهالك فوق التخوم، لتنبعث روح الاشتعال فيها من جديد، وتكون بؤراً نارية تخرج من بركان، تمتد أوصالها وتتوسع بحصاد الأخضر واليابس من كتف الجبال.

على امتداد طريقنا لقرية جورة الما، من مفرق واصل لعدة قرى (الملك، سلاسل، بيت السواحلي…. ) كانت الجبال والسهول والتلال على جانبي الطريق خاوية على عروشها يكسوها الرماد، الطريق الرئيسي مغلق بسبب النيران، وهو ما دعانا لنسلك طريقاً وعرة وطويلة امتدت على أطراف قرى ومزارع منها (بيت جراد،البحر الأسود، الطارقية، سولاس، خربة سولاس، ..) وأخيراً وصلنا قرية جورة الما، ولم نر فيها ناساً حيث تأبط أهلها شراً من النار التي ظهرت بؤرها على مد النظر في كتف الجبل المقابل لسكنهم، كادت تصل ببطونها إليهم ولا مفر غير الهجر والغياب بغير خاطر لنراهم ينزحون في جرارات وشاحنات صغيرة بفراش، وقد تركوا أرزاقهم من فاكهة وخضار وأعناب أينعت وحان قطافها لكن الفراق حان، فعدنا بأدراجنا ننشد الطريق ونناشد المنقذين قبل أن نقع بقبضة النار، فالسحابات السوداء كست السماء وانفجر سعير النار في القمم تآكل أكتافها وتنزل مسرعة تترنح بين الأشجار.

سائق بلدوزر في المكان مع زملاء من فرق الإنقاذ، في مهمة عمل لمدة يومين متتابعين في شغل وحفر وتمهيد الطريق لإبعاد براثن النار وقطع أوصالها والطريق عليها، قد أشار لنا بأن الريح كانت هادئة بالفجر والنار خامدة، ولكن نسمات الصباح والرياح أججتها من جديد.

سائق صهريج قال:إنه أتى من حمص فهذا واجبه الوطني، جاء تلبية لمناشدة أهله فجميع من في بلده هم أهله وأصحابه وما يوجعهم يوجعه، وأشار بأنه كان يعمل مع فرق الإنقاذ في سهل الغاب ومنذ يومين أتى إلى مشقيتا لنفس الأمر، وأكد أنه لم ير عائلته منذ أكثر من 15 يوماُ.

السيد رائد قبقبي رأيناه في أرض زراعية يمد خراطيم عديدة وطويلة بعشرات الأمتار وقد أشار بأنه يساعد عائلة زوجته بالأعمال الزراعية وكان قد استنجد به حماه لدرء خطر مهاجمة النار لأرضه ومساعدة رجال فرق الإنقاذ فكان له المعين، وبقي إلى اليوم بحالة تأهب لكل طارئ أو جديد كمساعد ومساند.

الأستاذ غياث زيبوك – المنسق التنفيذي لجمعية تنظيم الأسرة في اللاذقية أشار إلى أنهم جاؤوا استجابة للحرائق. ليقدموا بعض المساعدات الغذائية ومياه الشرب وغيرها من الحاجات الضرورية لاستمرار عمال وفرق الإنقاذ في القيام بعملهم.

قافلات مؤازرة وصهاريج ماء وإطفاء ودفاع مدني وغيرهم من مؤسسات ومديريات وجمعيات ومنظمات من عدة محافظات على امتداد طريقنا، جاءت سنداً لأبناء اللاذقية لا يهدأ رجالها ولا يملون ويندفعون في وجه النار بلا خوف ليكونوا سياجاً مانعاً وجداراً، اللهم نسألك اللطف لتكون برداً وسلاماً على أهلنا.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار