العدد: 9353
23-5-2019
وبكل الحب، مراراً وتكراراً، نهاراً جهاراً، كتب القلمُ ويكتب، عن مدينتا البحرية، التي نعشق موجَها الصاخب، ورملها ولفحاتِ رطوبتها وصيفَها، وجبالها وعذرية غاباتها ومصايفها، ولطافة شمسها، وعراقة مقاهيها العتيقة، وجوامعها وكنائسها، العابقة بأنفاس الأجداد، وأجداد الأجداد، الذين نشكلُ نحن امتدادَهم الطبيعي، على هذه البقعة الجميلة، التي نعشق، وبسحرها نتماهى.. نعم، بالوعي واللا وعي، نحبّ اللاذقية، نموت إنْ نحن غادرناها.. كما السمك.. نبحث في مدينتا عن المدينة (الكاملة المكمّلة)، ولطالما قلنا إنّها باريسُنا، وهي لندن الموشاة جبالها بالضباب، وهي نيويورك، ببعض ناطحاتها البسيطة، التي من شرفاتها ومن أعالي سطوحها يتراءى لنا سحرُها، من أقصاها إلى أقصاها. تتمدد اللاذقية صبية حسناء مغناج، لم تكبر بعد، فاتنة يزداد ألقها كلما تقدم العمرُ بها وبحاراتها وبصخورها. هي مغرية بعطر طعامها العابق في التواءاتِ أحيائها، جذابة في ليالي السهر، وفي كل الفصول.. اللاذقية في رمضان غير.. وفي الأعياد غير.. وفي وقفات العزة والكرامة هي غير، وفي الشهادة هي بلد الشهادة والشهداء بامتياز بشري وإلهي، وفي المسامحة وفي الكبر والشموخ هي غير، وفي التاريخ الذي يفخر أنّ مسقط رأسه هنا، والأبجدية مسقط رأسها هنا، وحبة القمح والنوطة الموسيقية العريقة .. اللاذقية مدينة علم وثقافة وفن، أم كلثوم غنت فيها وعبد الوهاب وعمالقة الفن القديم والحديث.. فهي بلد الحرف والنغم، الأمية غادرت ناسَها منذ زمن، وهي التي وهبت للعالم القادة والمحاربين الأشداء، أعطت الفنانين والكتاب والشعراء، أعطت المهنيين وأصحاب الكار، ومنحت للفلاح طقوسَ العشق للإبداع على لوحة الأرض الخضراء، ومثله للصياد والبحار وصانع السفن والتاجر الشاطر، تراقب بعين الفخر لوحة أخاذة، تلتقطها من أمام المدارس، التي تجاور المدارس، والمعاهد التي تجاور الجامعة العملاقة، تنظر بعين الفخر لآلاف الأطفال وآلاف الشباب والصبايا، من مراحل العلم المتتالية، ولألوف الجامعيين الدارسين في عشرات الكليات التخصصية، وإلى زملائهم من الخريجين، الذين ينتشرون هنا وهناك، كي يعلنوا بداية السباق نحو إعمار البلد، كل البلد، بمحبتهم وبعقولهم وسواعدهم الفتية.. لن أشيرَ هنا إلى بثور أو حاجاتٍ عرضية هنا وهناك، وهي تشوّه الصورة الجميلة لمدينتنا .. والجميع يعرف أنّ ما هو مطلوب من البلدية، أو المسؤولين عن المدينة، ليس بالكبير أو العظيم، فمن المعيب أنْ يكونَ هناك حفر أو جور، في الطرقات أو على الأرصفة، وأن يتبدّى وبفجاجة، المنظر غير السار للقمامة والحاويات وما حولها من تلال من القاذورات، وعدم الاعتناء بالحدائق، رئات المدينة ومتنفس الكبار والصغار، إضافة إلى قراءة عصرية سريعة، لخريطة السير في المدينة، للانتهاء من الازدحامات الشديدة، وإلى حركة ذكية وهائلة وحكيمة لضبط الأسعار، ولفت انتباه التاجر الجشع، ولو بالقوة، أن الله يبارك بالربح القليل، وكل الناس من حقها أنْ تأكل وتعيش، ولكن بأسعار معقولة وتناسب دخولهم المتواضعة والبسيطة، وفتح منافذ للسياحة الشعبية، ونحن على أبواب الصيف، والعمل على تفعيل الكورنيش البحري (الطريق البحري) الممتد إلى الجارة طرطوس، وما له من فوائد بالجملة، وتطويق المدينة بخطوط سير تستوعبها دوارات مثل دائري شمالي ودائري جنوبي ودائري شرقي ودائري غربي.. ودراسة أنفاق تحتاجها المدينة، وتغيير اتجاه خط سير نفق دوار اليمن، الذي كان (متل قلتو)، طبعاً مع التذكير بمقولة: (اللاذقية قبلة القطر سياحياً).. ألا تستحق لاذقيتنا ذلك؟
جورج ابراهيم شويط