حوارات مفتوحة… في أماكن مغلقة

الوحدة:13-7-2023

لا يمكن لأمّة أن تمشي في ركب الحضارة و التقدّم من دون الحامل الثقافيّ الذي يضع العجلات في مسارها الصحيح.

الثقافة نهج و منطق تفكير حياة قبل كل شيء، تعكس بصوابيتها و انفتاحها و رقيها الحاضر وطموحات الغد المترف بالأمل، ومن الضرورة بمكان أن تكون واقعاً معاشاً مع كل شرائح و طبقات المجتمع لكي لا تكون مجرد فعل ترف، وإنما شرعة وازنة، راسخة في الواقع نحو ما هو أفضل وأسمى لحياة الفرد و المجتمع.و هنا نخص بالذكر الدور المحوري للتنوير الفكري و الثقافي في أماكن الظل و الاعتكاف الاجتماعي مثل السجون، التي تحتاج إلى اهتمام وافر لتصحيح الأسباب التي دفعت هؤلاء الناس إلى ارتكاب الأخطاء و نشر الوعي و منهج التفكير السوي و الصحيح و إعادة تهيئتهم للحياة لتكون بداية مشرقة من أجل واقع أفضل.

انطلاقاً مما سبق كان لنا اللقاء الآتي مع الأديب والشاعر الأستاذ نعيم علي ميا للوقوف عند قضايا جديدة تشهدها الساحة الثقافية، ومنها المحاضرات التي تُعطى بالمراكز الثقافية في السجون وأهميتها وأهدافها.

           كيف ترى المشهد الثّقافيّ في ظلّ الظّروف الرّاهنة والواقع؟

 

لا أظنّ أنّ الثّقافة تتأثّر بالظّروف من حيث التّطوير والعمل عليها، ووضع الخطط، فالثّقافة مشروع نهضويّ مستمرّ،والمطلوب من المشتغلين بالشّأن الثّقافيّ عدم الاستسلام.

 

أرى أنّ الظّروف الّتي نعيشها تجعلنا أكثر إصراراً على الانطلاق نحو المستقبل، وذا الأمر يعني أنّنا ننظر بعين الأمل والتّفاؤل، إذ ما مِنْ أمّة عاشت ظروف الحرب إلّا وتطلّعت إلى الخروج ممّا خلّفته هذه الحرب، ويحضرني هنا أنّ السّينما العالميّة ركّزت خلال فترة الحرب على الفرح والأمل والتّطلّع نحو غدٍ أكثر إشراقاً، وخير مثال قريبٍ ليس بالبعيد ما أفرزته الحرب الّلبنانيّة من فنّ اعتمد على نشر الابتسامة ( أخصّ بالذّكر المدرسة الرحبانيّة).

 

وأجدها فرصة لأوجّه الشّكر لكلّ وسائل الإعلام والثّقافة لما تُبديه من اهتمام وتشتغل على متابعة الأنشطة الأدبيّة والثّقافيّة.

 

           كانت لك تجربة سابقة مع السّجن المركزيّ في المحافظة بإلقاء محاضرة الأسبوع الماضي، وإقامة ظهريّة شعريّة في وقت سابق، كيف تقيّم هذه التّجربة، وماذا تقول؟

 

للحقيقة ما وجدته لم يكن لديّ أدنى تصوّر عنه،ما رأيت لم يكن سوى المكان الّذي جعله القائمون على إدارته خارج حدود الجدران، وأطلقوا العنان للأفكار فجعلوه مكاناً لتغيير السّلوك المرتبط بالفعل بعد التّغذية من أهل الاختصاص من علم وأدب وطبّ وتوعية اجتماعيّة وإطلاق الفكر نحو فضاء يتجاوز الحدود عبر إطلاق القيود الّتي تقيّدهم بالماضي والتّطلّع إلى مستقبلٍ زاهرٍ.

 

نعم هم أُناس طبيعيّون عاشوا لحظةً غير طبيعيّة أدّت إلى سلوك غير طبيعيّ (هذه القصّة باختصار)، وما لمسته من حوار بعد المحاضرة يُثبت دقّة ما أقول.

 

          أنتَ شاعر، أديب، كاتب، ما الّذي وجدته أقرب إليهم ؟

 

في الحقيقة ذهبتُ إليهم شاعراً وألقيتُ الشّعر على مسامعهم وكانوا مستمعين رائعين، وقد لمستُ الفرح في أعينهم، وقد رقصت أفئدتهم طرباً لما سمعوه حيث الطّبيعة الجميلة والقيم الإنسانيّة المُطلقة من حبّ وانتماء وولاء للأرض والخير والجمال وهذا هو الوطن بما فيه. كما ألقيت محاضرتي مؤخّراً وقد لمستُ منهم الحوار والنّقاش المبنيّ على أسس من الوعي وهذا يدعم وجهة نظري بأنّ السّلوك الخاطئ إنّما نتيجة خطأ في الفهم أو تسرّع في الرّدّ وهذا هو حال نزلاء السّجن، وقد وجدت منهم أثناء الحوار المفتوح حفظهم لبعض المفردات والجمل والتّراكيب الّتي قلتها في معرض كلامي، وهذا يدلّ على المتابعة والاستماع والاهتمام وهذا بدوره خطوة حريّ بنا أنْ نتوقّف عندها وكيف استطاع القائمون على السّجن تغيير السّلوك نحو الإيجابيّة.

 

           هل بمقدورنا أن نقول: السّجن مفهوم جديد ؟

 

أستطيع القول: إنّ السّجن مجتمع كامل وقد استطاعت الدّولة السّوريّة أنْ تُغيّر المفهوم من الحبس إلى تحرير الشّخص من أفكاره السّلبيّة وسلوكاته غير الانضباطيّة والمضبوطة إلى إطلاق الفكر ليتجاوز حدود الشّرور والآثام وبذا نستطيع أنْ نقول: أصبحت السّجون دور إصلاح.

نور محمّد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار