عدنان نصري.. الساعاتي الأقدم في طرطوس

الوحدة: 20- 6- 2023

لا يحب التصنيف ولا أن يوصف بشيخ الكار حالياً ولا بأفضل مصلحي الساعات الذين عرفتهم المدينة، متواضع لطيف، لطالما أحبه واحترمه جميع الجيران والعابرين والموظفين في مكان محله المعروف خلف مبنى المحافظة بشارع المصارف، يعرفه أهالي المدينة القدماء، ولطالما استطاع إصلاح ساعات اليد والساعات المنزلية، التي كان قد عجز أصحابها وقيل لهم أنه لا يمكن إصلاحها، هو رجل محب للحياة والعائلة وحتى لبعض القطط الجميلة التي كانت تلتصق وتنام أمام باب محله ليطعمها، إنه عدنان أحمد نصري الحلبي الأصل والقادم من باب المقام في حلب فدمشق وألمانيا حيث استقر به المقام في طرطوس مدينة محبوبته وزوجته في ستينات القرن الماضي، وحيث قضى معظم سني عمره، وعن حياته يقول: أنا من مواليد ١٩٤١ ووالدي كان ساعاتي قديم بأول سوق مدحت باشا في دمشق ومنه تعلمت مبادئ إصلاح الساعات وفنونها، في أول حياتي لم أكن أعلم ما أريد بالضبط وتنقلت مرات عدة قبل أن أستقر في مهنتي ومحلي هذا، وعن زواجه يبتسم وينظر للبعيد وهو يتذكر شريكة حياته رحمها الله، والتي التقاها حين كان يجلب بضاعة لوالدها في طرطوس، وبعدها قرر السفر والهجرة لألمانيا وبالفعل تمت الرحلة بالقطار من دمشق لتركيا فألمانيا واستغرقت أكثر من يومين على ما يذكر، وهناك كان سريع التأقلم والتعلم للغة كما حاول تعلم عزف الترومبيت وعمل في محل للخرداوات بميونخ واستمر ذلك قرابة عامين، حيث كانت قد جاءت ابنته الأولى إلى الحياة، ولم يعد يطيق ألم الغربة وصعوباتها، فعاد ليستقر ويؤسس حياته في طرطوس، وفي تلك المرحلة  يتذكر نصري وجود محلين لتصليح وصيانة الساعات في المدينة أحدهما لسامي أرمويان والثاني لنبيل بكباشي، ثم يتذكر جمال البحر ورزقه الوفير مبتسماً حيث كان يخرج كل يوم للصيد ويعود برزقة وفيرة لدرجة أن عائلته ملّت من السمك وبات يهديه للجيران والأصحاب، وفي تلك المرحلة تبعه والده وأشقاؤه الستة ليستقروا تباعاً في طرطوس، كما افتتح عددٌ منهم محلات لبيع النظارات والساعات وتصليحها والتي يعرفها أيضاً العديد من أهالي المدينة.

وعودة لتصليح الساعات، إذ يرى نصري أنها علم كبير وواسع، وهناك العديد من الساعات المعقدة والفخمة والسويسرية والتي تحتاج لدقة متناهية لفهمها وإصلاحها.

وعن حال العمل اليوم وهو يخط سنواته الأولى في الثمانينيات يقول: لازلت أنهض كل صباح وأنزل لمكان عملي الذي ألفته ولي فيه العديد من الذكريات والحكايا، ولكني اليوم أبذل جهداً مضاعفاً للتدقيق والعمل ببعض الساعات وبعضها قد يشق علي إصلاحه، ورغم ذلك لا يزال يأتيني العديد من الزبائن القدماء والجدد لوضع بطاريات لساعاتهم أو لسؤالي عن إمكانية إصلاح بعضها لثقتهم برأيي وعملي ومعقولية أسعاري، ولأن منهم من يرتبط بساعاتهم برباط عاطفي للذكريات التي تحملها أو لكونها هدية من أحبابهم، كما اعتاد الجيل القديم أن يقرنها بأناقته ويسعى لشراء الأفخم منها ولم تغير هذه الفئة عاداتها هذه، رغم أن عدداً كبيراً من الجيل الجديد باتوا يكتفون بموبايلاتهم لمعرفة الوقت فيما ترتدي قلة من الصبايا ساعاتهن كإكسسوار حتى ولو كانت متوقفة.

وعن أولاده يقول السيد عدنان نصري رزقت بثلاثة شباب وفتاة، وللمفارقة جميع أولادنا وأحفادنا لم يرغبوا بتعلم حرفتنا التي رأوا أن إيراداتها باتت ضئيلة مقارنة بالجهد والدقة التي تتطلبها، فيما تدخل ابنه القبطان هاني الذي التقيناه بمحل والده ليقول لنا أنه لا يتحمل فكرة الجلوس الطويل والتركيز المجهد المطلوب في هذه المهنة، كما يرى نفسه بعالم البحر ومجال الحركة الواسع خارج المحل الضيق، وبعد حديث جميل مررنا خلاله بسرعة على العديد من المحطات والذكريات الدافئة مع هذا الرجل الصادق، خرجنا ونحن ندعو له بوافر الصحة والسلامة ليبقى محله الدافئ مفتوحاً لإصلاح ساعاتنا التي تعلمنا كيف يمر ما تبقى من أيامنا..

رنا الحمدان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار