الوحدة : 9-6-2023
هي سيدة متألقة، ديناميكية، نشيطة.. زوجة وأم وجدة ومعلمة سابقة، لم يمنعها الزمن ولا الظروف من متابعة قطاف زهور الأيام، والسعي لطرق أبواب الجامعة من جديد للحصول على الشهادة الجامعية، هي اليوم طالبة في السنة الثالثة في برنامج إدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقسم التعليم المفتوح بعمر ال٦٨ عاماً، وحيث أنها من الحالات المميزة والنادرة في الجامعة، فقد تم تكريمها خلال اجتماع مجلس جامعة طرطوس الأخير من قبل الأستاذ الدكتور محمد عباس ديوب رئيس جامعة طرطوس تقديراً لجهودها، ولتقديمها نموذجاً للاجتهاد الدراسي الذي لا يحده عمر، ولأنها مثال يقتدى به للمرأة المكافحة والطموحة.
وعودة للسيدة صباح وحكايتها تقول لنا: نلت الشهادة الثانوية بعام ١٩٧٣ وكانت علاماتي تسمح لي بدخول الهندسة إلا أني كنت مخطوبة وكانت دراسة الصف الخاص – معهد إعداد المدرّسين – هي الأنسب لوضعي، وقبل أن أدخل بعمر العشرين كنت قد تزوجت وبدأت بحياتي العملية ومن ثم بات لدي ٤ أولاد ، الكبرى موظفة بالمركز الثقافي، والثانية معلمة رسم ولديها معهد لتعليم الرسم، وابني “محمد علي” فنان وممثل له عدد من المشاركات الفنية، وأخيراً ابني الأصغر خريج أكاديمية النقل البحري في اللاذقية، ولدي حالياً ٣ أحفاد ،
قدمت استقالتي من عملي بعام ٢٠١٢ بعد ٣٧ سنة خدمة قضيتها في التعليم، وتنقلت خلالها بعدة مدارس بطرطوس من الهنكار إلى مراد عيزوقي والشنبور، كما كنت من الأعضاء النشيطين في الاتحاد النسائي سابقاً، واستلمت إدارة روضة الباسل لمدة ٣ سنوات، وخلال تلك السنوات الطوال كنت قد فتحت مشغل خياطة لحوالي عامين، ثم فتحت روضة بشهادة ” استأجرتها ” مع غصة بقلبي لأني ورغم أني معلمة مشهود لي بعملي وسمعتي لم أتمكن من الحصول على الترخيص باسمي، وهنا كانت نقطة التحول لدي مع افتتاح برنامج التعليم المفتوح بطرطوس، وحيث أني أصبحت وزوجي الذي كان يعمل في مرفأ طرطوس من المتقاعدين، ولدينا وقت جيد بعد أن كبر الأبناء وصار زوجي يحب قضاء الكثير من أيامه في قريتنا (دوير بعبدة)، وبحكم السن وظروف الحياة الطبيعية، بات طموحي وتوجهي أكثر للنشاطات الفكرية، ومن هنا كانت البداية بالسؤال عن الأوراق المطلوبة للتسجيل في الجامعة، ومن ثم التوجه لدمشق لاستخراج مصدقة الثانوية القديمة.
وعن أول يوم في الجامعة، تبتسم صباح وهي تتذكر أن الدكتور والطلاب كانوا قد دخلوا قبل أن تطرق الباب وتستأذن للدخول وسط ذهول، وبالفعل سمح لها الدكتور بالدخول إلا أنه لم يستطع أن يتابع المحاضرة قبل أن يسألها من هي ولماذا تود الحضور؟ وعن الفصل الأول تحديداً في الجامعة تشرح لنا صباح الصعوبات التي واجهتها حيث العودة للدراسة تحتاج لجهد وتعب من جديد وخاصة مع تغير المناهج وأنماط الدراسة عن جيلها، ومع صعوبة اللغة الإنكليزية حالياً مقارنة بسنوات دراستها التي كانت دراسة اللغة فيها بسيطة وبدائية فقط، وبالنتيجة نجحت ب٣ مواد من أصل ٦، وبات التحدي لذاتها أكبر حيث بات التراجع صعباً أمام نفسها وعائلتها وأصحابها، لتتمكن في الفصل الثاني من النجاح ب٨ مواد من أصل ٩، وهكذا وصولاً لليوم الحالي.
وعن أحلامها وقادم الأيام تبتسم صباح المشرقة من جديد وتقول لنا: طالما هناك صحة وعمر فالأحلام مستمرة، والحياة تستحق منا كل الحب والعمل والامتنان لتلوين أيامنا بأجمل وأبهى الألوان، والتقبل لما قد يحمله الغد لنا من قصص وحكايات.
رنا الحمدان