الوحدة 8-6-2023
في هذه الأيام، حيث يشكو الناس قلة الوفاء والإخلاص والصدق والمحبة، أو الشواذ الذي يثبت القاعدة، أي انهيار القيم، وتعاظم التنافس على ملذات الدنيا وخيراتها، دون حساب ولا حسيب ولا رقيب. وهو يعرف أنه كذلك، وقد اختار بكامل إرادته، أن يكون في صف الأوفياء الأتقياء، الذين وهبوا أنفسهم للخير والمحبة وهو فخور بنفسه، ويريد أن يرى بأم عينه، وأن يتأكد، بما لايقبل الشك أن الناس كل الناس يعرفون تماماً أنه اختار أن يكون ما عجز الآخرون أن يختاروه، أو أن يثبتوا عليه ولأن الناس لاهون بمصالحهم لاهثون وراء نزواتهم، فهو يجد نفسه مضطراً إلى المبالغة في إظهار آدميته، حتى يراها هؤلاء الذين لا يبصرون، والآدمية تترجم بالاهتمام المفرط بالآخر، والتأكيد المستمر على الرغبة المجانية بالمساعدة لا لسبب إلا لأنه آدمي وابن آوادم وليس كالأخرين. ولأن الناس بطبعهم ميالون إلى الشك، وكأنهم يخافون أن تكون هذه المحبة المفرطة مجرد غطاء لما يخافونه، أو ربما لما تعودوا عليه من مكر ودهاء، ترى صاحبنا يضاعف من تأكيد براءته من كل هذه الشكوك، ما تكون نتيجته في الغالب مضاعفة هذه الشكوك لا تبديدها، وإذا تأكد الناس من آدميته بالتجربة والبرهان حاصروه ونبذوه، ولم يترددوا في وصفه بالبليد والثقيل الدم، وأحياناً كثيرة بأنه مجرد (غشيم وأهبل) وتراه بقدر ما يغرق في آدميته يضيق به الآخرون ذرعاً وكلما عامل الناس بمحبة مجانية أحس بوحدته وكأنهم يستغلون طيبته ويقولون إنه إنسان مسكين والآدمية خيار صعب، وربما مجنون وخصوصاً عندما تصبح هاجساً أو أشبه بمهنة أو لقب، يطمح البعض إلى الحصول عليه بأي ثمن، وغالباً ما يحصلون عليه دون كبير عناء، فالآدمية هي المهنة التي يمكن لأي كان ممارستها والبروز فيها لأنها بخلاف كل المهن، لا تتطلب أكثر من الحد الأدنى من المهارة والذكاء.
لمي معروف