“كل حبّة ولها كيالها…” !!           

الوحدة : 15-5-2023

كنا نجلس عدة نساء على صف واحد فلكل منا نصيبها في تصريف بضاعتها والرزق على الله.

بهذه العبارة بادرتنا أم جابر عند قصدنا سوق الخضار في الريجة القديمة، وقد التفت حولها أكياس وكرتونات من حبات البازلاء والفول الندية الخضراء المشبعة بعشق الأرض والحقول، تجلس أم جابر على كرسيهاالصغير بوجهها المشرق بالحب، وتلقي بعينيها علينا ولتعتذر أن لا تصوير غير لخيرات حديقتها، ويداها برزت فيهما عروق تعب السنين الغابرة تعتق حبات البازلاء والفول من بوتقاتها وتلمها في الإناء كحبات القلوب إلى أن اقترب منها أحد المتسوقين وسألها دون غيرها من صديقاتها الثلاث اللواتي جلسن بجانبها وحالهن كحالها، كم ثمن كيلو البازلاء؟ فترد: ب /٩/  آلاف ليرة فيعيد عليها قوله: ولكنه غال جداً بالنسبة لجارك على العربة، فتبتسم له وتقول: هذه البازلاء (شامية) وتنضح بالكبر والجمال، و(لكل حبة كيالها)، وقد أشارت أنها تأتي لهذا السوق بعد وفاة زوجها وانفلاش أسرتها وانسحابهم إلى الغربة، فما كان عندها من حل للتغلب على الحياة وجبهاتها غير الزرع وقصد السوق، وأحياناً تشتري الخضراوات من جاراتها وقريباتها، تقول: الأولاد هاجروا صفر اليدين لا ورثة عندهم ولا صك عقار غير الغرفة التي أسكنها وحولها حديقة بالأمتار، أزرعها ببعض الخضروات الصيفية والشتوية التي يمكن حملها وبيعها في السوق، لا يمكن أبداً أن أترك لأولادي مهمة تدبير معيشتي، وهم ضعفاء، وأنا رغم أني تجاوزت السبعين من العمر إلا أن صحتي جيدة والحمد لله.. كما أني أبتعد عن ثرثرة النساء وتسلياتهم في القيل والقال، وتتابع : السوق فيه الرث والنفيس، والناس أشكال وألوان، منهم من يدفع دون سؤال، ومنهم من يتحزر أيشتري من هنا أو هناك، وأغلب زوار السوق من الموظفين (معترين) حالهم كحالي وهؤلاء بالتأكيد لا يسألوني ويمرون علي مرور الكرام، ولكن زبائني هم ممن يركبون السيارات، وزوجاتهم لا يتعبن أنفسهن بهذه الأعمال ويريدون خضاراً جاهزة للطبخ كما المونة جاهزة وبجودة عالية ولو دفع ما ليس بالحسبان، فلا ضير عندهم ولا مشكلةفي الدفع،يعدون النقود، ويتناولون حاجتهم من أول خطوة في السوق ويرحلون، لهذا أمكث هنا في بداية السوق  وبضاعتي تستحق الغالي لما تكتنزه من الطيبات والجمال فهي تسر القلب والعين، أما الذين في جيوبهم القليل والمحدود من المال، فيدخلون السوق للتنقيب عن حاجتهم بأبخس الأثمان ولو جابوا السوق وجالوا فيه مرات ومرات، وكان الله في عون الجميع على قساوة هذه الأيام.

 

 هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار