الوحدة: 18- 4- 2023
إِنَّ كَلمَة تَوحُّد لََا يعْرفهَا إِلَّا مِن اِحترَق قَلبُه بِنارِهَا فقد تَاهَت أطْفالنَا فِي غَياهِب هذَا العالم اَلمرِيب والْمليء بِالْمفاجآتِ، فَترَى دُموعهم تَتَدلَّى مِن عُيونِهم لِتعانق اَلخُدود تِلْك الصُّورة اَلتِي لََا يَفهَم مَعْنَاها إِلَّا مِن أحسَّ بِوجعِهَا ولَا أحد يَشعُر بِوجعِهَا إِلَّا أصْحابهَا…
( الوحْدة ) التقت أُم لِطفْل يَحمِل طَيْف تَوحُّد ( عَلِي ) فلخصت بكلمات وجع كُلِّ أُمِّ لَديْهَا حَالَة مَثَّل وَضعُها، حيث قالت : بِشَأن طِفْلِي ( عَلِي ) لَم أَجِد لَه مَكَاناً فِي هذَا العالم اَلمظْلِم اَلذِي طغتْ عليْه المادِّيَّات وتمَّ رَفضُه مِن قَبْل مِن المجْتمع, وَلكِن رَغْم كُلِّ الصُّعوبات والْعراقيل والْمضايقات لَم أَستسْلِم، دَخلَت إِلى عَالَم طِفْلِي فاكْتشفتْ فِيه أَشيَاء اِنْعدَمتْ فِي عصْرنَا هذَا ، كالصَّفاء والْحبِّ والتَّسامح والْبساطة. وَتَابعَت اَلأُم تَقُول : ذَهبَت مع عَلِي إِلى جَمعِية المجْد لِذَوي الاحْتياجات الخاصَّة بعْدمَا تُهْت مع دَكاتِرة كَثيرِين لَمَّ أَصْل إِلى نَتِيجَة مَعهُم فقد كان علي خَارِج العالم الاجْتماعيِّ والْعائليِّ تماماً فعانَيْتُ معه كثيراً فِي البحْث عن حُلُول لْوحدته، لَكِن بِفَضل اَللَّه وإخْصائيِّ التَّرْبية الخاصَّة والنُّطْق والْكلام فِي جَمعِية المجْد اَلذِين عَملُوا مع عَلِي وكانوا مُتابعين لِحالَته مِن البداية وقدْموا لَه جَلَسات تَربِية خَاصَّة وجلسَات نُطْق وَكَلام وَإلَى الآن مُسْتمرِّون مع عَلِي اَلذِي تَحسَّن كثيراً اجْتماعيّاً وسلوكيّاً وأصْبح يَصنَع طعامه بِنفْسه ويهْتمُّ بِجوانب الهنْدام والنَّظافة.. وتَابعَت اَلأُم قَائِلة : أَرجُوكم أنَّ تِتعاملْوا مع هِؤلَاء الأطْفال بِحَذر لِأنَّ أحاسيسهم مُختلفَة ولَا يحْتاجون إِلى نَظرَة تَعاطُف بل يحْتاجون إِلى تَحفِيز وَتشجِيع على كُلِّ حَركَة حَتَّى أَبسطِها، لِأنَّ أطَفَالنَا هِبة مِن اَللَّه وَهُم مَلائِكة لََا يعْلمهَا أو يُحسُّهَا إِلَّا أَقرَب النَّاس إِليْهم فَهْم نِعْمَة وَنُور يُضيء طريقَنَا . كما تَوَاصلَت الوحدة مع أحد المخْتصِّين فِي جَمعِية المجْد بِطرْطوس الَّذين أشْرفوا على عِلَاج الطِّفْل عَلِي فَقَال : أَشرَفت على عِلَاج عَلِي أنَا وَعدَد مِن أخْصائيِّ التَّرْبية الخاصَّة والنُّطْق والْكلام مُنْذ عُمْر السَّنتيْنِ ، فَكَان التَّشْخيص لِحالَته ( طَيْف تَوحُّد ) اِضطِراباً نَمائِياً يَحدُث فِي مَرْحَلة مُبَكرَة مِن الطُّفولة وأعْراضه اِنخِفاض التَّواصل البصَريِّ عدم الاسْتجابة عِنْد المناداة ومقاومة الحضْن واللَّعب بِمفْرَده والْقيام بِنشاطات قد تَسبَّب الإيذاء لِنفْسه مَثَّل اَلعَض أو ضَرْب الرَّأْس، وَكَان عَلِي لََا يَشعُر بِالْعالم الخارجيِّ ولديْه شِحْنَات كهْربَاء كمَا كان لَديْه فَرْط نَشَاط ونقْص فِي الانْتباه والتَّرْكيز بِالْإضافة لِتأخُّر بِالْمهارات الأساسيَّة وأيْضاً كان ضعيفاً فِي التَّفاعل الاجْتماعيِّ.. وتابع اَلمُختص كلامه : خضع عَلِي لِعدَّة فُحوصَات واخْتبارات لِتقْيِيم قُدراته الكلاميَّة وفحْص بَعْض الجوانب النَّفْسيَّة فقد كان يُعَانِي مِن مَشاكِل بِالنُّطْق والْكلام ويردِّد ويكرِّر الكلمات دُون تَوقُّف لِساعَات فَخضَع عَلِي لِعلاج هَذِه الاضْطرابات بِانْتظام عَبْر بَرامِج عِلاجِيَّة تأْهيليَّة تَتَميَّز بِدرجة عَالِية مِن التَّنْظيم المسْتمرِّ وعن طريق اِخْتصاصيِّين ترْبويِّين قَامُوا بِتدْرِيب عَلِي على تَجسِيد المهارات الاجْتماعيَّة ومهارات الاتِّصال والسُّلوك وَمِنهَا عِلَاج النُّطْق والتَّخاطب والتَّدخُّلات السُّلوكيَّة وَتطوِير مهارَات العلَاج الطَّبيعيِّ وأيْضاً العلَاج بِالْأدْوية والْعلاج اَلنفْسِي الحرَكيِّ وبرْنامج التَّكامل الحسِّيِّ وَأَضاف الأخْصائيُّ اَلنفْسِي قائلاً : كان للتَّشْخيص اَلمُبكر أَهَميَّة بَالِغة جِدًّا لِأنَّ التَّدَخُّل اَلمُبكر وَخصُوصاً قَبْل بُلُوغ الطِّفْل سِنَّ الثَّلَاث سَنَوات يُشكِّل عُنْصُراً هاماً جِدّاً فِي تَحقِيق أَفضَل فُرَص التَّحَسُّن وأيْضاُ اِسْتمْرار العلَاج والتَّواصل المسْتمرِّ يُعْطِي نَتِيجَة إِيجابيَّة للِطفْل، فعَلِي على مدى ثَلاثَة عشر عاماً لَم يَتَغيَّب عن الدُّروس والْتَزم بِالْمواعيد ولاقى نَتِيجَة جَيدَة حَيْث أَنَّه أَصبَح يَهتَم بِنظافته الشَّخْصيَّة وهنْدامه وَصُنع وَجَبات خَاصَّة بِه. وملخِّص الكلَام أنَّ تِلْك الحالات هِي هِبة مِن اَللَّه زرْعهَا فِي طريق حَياتِنا لِنحْصد ثِمَار الأجْر والثَّواب وَهُم بِالنِّهاية نِعْمَة وليْس نِقْمَة كمَا تَنظُر لَهُم بَعْض اَلعُقول الملوَّثة والْمريضة.
بتول سلامة