الوحدة 31-10-2022
تترهل الذاكرة وتتراجع محفزاتها مع مرور الأيام، فتسقط من جديد في أخطاء كبيرة وقع فيها آباؤنا وأجدادنا، وكأننا نستمرئ جلد أنفسنا مثل من أصيب بالداء من دون أن يحاول تلقي العلاج والتخلص من تعذيب الذات.
هذه الذاكرة المريضة الموهنة تضعنا في دوامة مغلقة لا خروج منها، إذ تجعلنا نصدق أكاذيب مكررة ووعوداً سرابية وشعارات غوغائية فضفاضة، أثبتت التجارب أنها مجرد خدع بهلوانية تطلقها هنا وهناك فئات متنوعة من أجل الحفاظ على سلطتها وتسلطها وخدمة مصالحها المنظورة والخفية كلما تغيرت الوجوه خلال تعاقب السنين.
وعلى الرغم من المآسي التي تفتت حياتنا، فإننا نمني النفس بتطبيق تلك الوعود الوردية، فنضع ذاكرتنا في كهف
تفوح من جدرانه رائحةالرطوبة ، وتلف دروبه العتمة المقيمة، بدل البحث عن نور ينعشها ودفء يبعث الحياة في تفصيلاتها، مع أن الوسائل كثيرة والدراسات العلمية التي تتناول سبل إنعاش الذاكرة متوافرة ومتجددة، وقد كان آخرها المزيد من البحوث حول أشخاص يعانون من النسيان المتكرر بالاستماع إلى الموسيقى، بعد أن ثبتت قدرتها على تحسين قدرات التعلم والذاكرة عند الإنسان، فقد تبين أن هذا الاكتشاف مثير للجدل، لأن للتأثير الدماغي تأثيرات عصبية وكيميائية محددة إلا أن أسباب هذه التأثيرات لم تتضح إن كانت ترجع إلى الموسيقى نفسها.
إن أداء الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر كان أفضل في المهمات الاجتماعية والنشاطات بعد استماعهم لألحان (موتسارت ) على وجه التحديد، كما أن عزفها لمرضى الصرع خفف من النشاط الكهربائي المصاحب للنوبات التشنجية التي تصيبهم، في حين لم تنجح الألحان الأخرى في تحقيق ذلك.
إذاً، فإمكان إيجاد وسائل معينة لتنشيط ذاكرتنا متوافر لو أردنا البحث عنها، ومنها الموسيقى على سبيل المثال ، كما جاء في الدراسات إلا أننا وفي هذا السياق بالذات نجد أنفسنا نستسلم لأنواع من الموسيقى التي تعطل الذاكرة، وتسهم في تخريب العقل والتفكير.
فقد باتت في هذه الأيام عمل من لا عمل له، وأضحى فن الفيديو كليب يطغى على كل الأعمال الموسيقية الرائعة والمفيدة للعقل والروح التي أنجزها عباقرة الموسيقى بالعالم، وبالتالي انجررنا وراء الوعود الكاذبة، ماكرّس تعطيل الذاكرة أكثر، ودفعنا إلى تجارب فاشلة ومدمرة مرت بها أجيال من قبلنا، وحصدت نتائج كارثية ما زلنا ندفع ثمنها؟.
من هنا لا بد لنا من العمل الجاد لتنشيط ذاكرتنا وتحفيزها عندما نقدم على خوض أي تجربة جديدة، والبحث في أعماقها لمعرفة نقاط الخطأ والصواب في التجارب التي سبقتها، وعدم الركون إلى خدع المهرجين وحركاتهم البهلوانية
أو إلى الخوف من تهديدات الديناصورات المتحجرة التي تريد ليس تعطيل الذاكرة وحسب، بل تعطيل العقل والمشاعر ومسيرة الحياة، هذا إن كنا نريد لأنفسنا الوصول إلى الطريق السليمة التي تقودنا إلى التطور والتقدم والإسهام في بناء الحضارة الإنسانية.
لمي معروف