الوحدة: 26-10-2022
رحل عن هذه الدنيا آخر المعمرين في حلبكو، آخر رجل يلبس ” القنباز والساكيت ” ، وحول خصره كمر جلدي له جيوب يضع فيها ما لديه من ليرات سورية ودفتر سيكارة احتياط وإبرة مع سلكة قد يحتاجهما، وبعض الوثائق الثبوتية إن وجدت، بالاضافة إلى شملة بيضاء تغطي الرأس وبريم أسود، وكان يقول دائماً: الكمر يشد الضهر.
بهذه الكلمات بدأ الباحث نبيل عجمية حديثه عن قرية حلبكو العريقة،
وأضاف: قهر أهل القرية بقوة إرادتهم التضاريس وطوعوها لصالحهم مستغلين إبداعهم، وأسسوا لأنفسهم قرية جبلية في أعالي القمم، بعيداً عن الأراضي المنبسطة، تعانق الضباب، متفوقة على ناطحات السحاب العصرية.
قرية معلقة محصنة ساحرة تتغنى بروعة الطبيعة، فرغم صعوبة وقساوة العيش فيها تتناثر المنازل هنا وهناك، مبرزة إبداع الناس الذين حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم.
من يعشق الجمال وهدوء الطبيعة سيشد الرحال هذه المرة إلى حلبكو للغوص في بعض تفاصيلها والتعرف على جمالها الطبيعي عن كثب.
يقول أحد أبناء حلبكو : واجه الإنسان في الزمن الماضي قساوة الحياة بعزيمة وتصميم فيومها لا وسائل نقل ولا كهرباء. يجمع ماء الشتاء في خزان أو تنقله النساء على أكتافهن من مكان بعيد.
وسائل الحياة عدة عنزات ــ بقرة ــ دابة حمير ينقلون عليها حوائجهم من طحين وحطب للطبخ والتدفئة أو راوي الماء، الأرض تزرع بكاملها حتى بين الصخور قمح وشعير أو عدس وخلافه، أياماً قاسية عجاف تجاوزها الناس بإرادة صلبة وبإيمان بالله بأنه سيفرجها عليهم في يوم من الأيام.
وفعلاً شهدت القرية تطوراً سريعاً ولاسيما في سبعينيات القرن الماضي ووصلت إليها الطرق المعبدة وشهدت تطوراً عمرانياً لابأس به.
وبيّن الباحث نبيل عجمية أن قرية حلبكو موغلة في القدم يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر /1139/ م، حيث يتوضع ناووس على أعلى قمة الجبل يُطلق عليه أهل القرية جبل الناغوص، الذي يعود إلى العصر البيزنطي.
تبعد قرية حلبكو عن مدينة اللاذقية 55 كم وعن مدينة جبلة 30 كم وعن مركز الناحية في بيت ياشوط 5كم، وتشتهر القرية الآن بعدد من الزراعات المتنوعة كالجوز والكرز والتفاح والرمان والتين والتبغ بعد أن كانت تعتمد قديماً على زراعة الحبوب بأنواعها (قمح شعير حمص عدس).
ويُعرف عن القرية بأن غالبية أبنائها حاصلون على شهادات علمية عالية وفيها شخصيات مشهورة، إضافة الى أدباء وشعراء من الطراز الأول. كما يشتهر أهلها بالصفات الكريمة وبخاصة الكرم فهي مضرب مثل بذلك.
أيضاً حلبكو قرية سياحية من الطراز الأول وفيها مطعم جميل وفندق راقٍ لا يتوقف صيفاً وشتاء. ويمكن الاستجمام بها لما تحتوي على جبال عالية ووديان سحيقة وطبيعة رائعة يمكن القيام بمغامرة في هضاب وسفوح هذه الجبال، وتستطيع مشاهدتها والاستمتاع برياضة تسلق الجبال صيفاً، حيث المناخ الرائع والإطلالة على البحر المتوسط والعشرات من قرى ومدن الساحل وبحيراته التي تعكس ضوء الشمس نهاراً أو سطوع القمر ليلاً.
وعن معنى اسم حلبكو:
كثرت الروايات عن معاني اسم حلبكو لكنني سأكتفي بذكر ما جاء في مدونة الباحث منير صبح سعيد: معنى حلبكو البعل الأمير مخصب الأرحام. ويقول الشاعر عيسى سعود الجنيدي، ابن حلبكو، وهو الذي قال عنه الشاعر الكبير بدوي الجبل:
من أحب شعراء الساحل السوري إليك؟
فقال: عيسى سعود الجنيدي ومحمد حمدان الخير.
علماً أن للشيخ عيسى فطرة وعفوية مميزة. تغنى الشاعر بحلبكو كثيراً وتذكرها وهو في دار الحكومة عندما كان قاضياً فقال:
ناغوس حلبكو ولا …..قصر الحكومة ها هنا وظلال واديها ولا هذي…. الفخامة والغنى يارب اجمع عن قريب…… في رباها شملنا وهب المودة والمحبة والإخاء بها لنا.
نسيم صبح