مـــــاذا لـــــو كــنتَ مـُعوَّقـــــــاً

العدد: 9331
10-4-2019

 

في خلوة إنسانية ومونولوج ذاتي تشطح فينا الأفكار بعيدة، توصلنا إلى عالم الإنسان المتكامل نتفقد حواسنا وخلقنا في أحسن تكوين، نشكر نعمة الخلق التام، نبحث في دواخلنا تراودنا الأفكار حيناً، نفكر في مصاب الحرب وبالشهيد الحي، ماذا قدم وماذا سنقدم لهذا البطل؟ نقف حيناً عند حالات الخلق، نفكر في عظماء بلادنا كم قدموا لنا لنبقى على قيد الحياة، وفي عظماء العالم من معوقين بدءاً من العالم العبقري ستيفن هوكينغ صاحب نظريات عديدة عن فكرة النشوء، لم يكن قادراً على الحركة والتكلم لكن إمكانياته لا تعد ولا تحصى، وانتهاء بماراثونات عالمية للركض بالأطراف الاصطناعية، كانت ومازالت الجهود الحثيثة للحكومة السورية في دعم أصحاب الإعاقات الجسدية والذهنية، راودتني الفكرة والسؤال قد يبدو سؤالي غريباً بعض الشيء: ماذا لو كنت مُعوَّقاً؟ ماذا كنت ستفعل وما الآلية للانخراط بالمجتمع أكثر؟ توجهت بسؤالي بكل شفافية وجاءت إجاباتهم كالتالي:

* م. كمال شاهين: قبل أسبوع، توفيت (ميس) الصبية عن خمسة وثلاثين عاماً قضتها جالسةً على كرسي متحرك دون قدرة على الكلام أو الحركة أو التواصل باستثناء لغة الإشارة أو الضحك، أجل، الضحك الذي أتقنته حتى تحوّل أبجدية موازية لأي أبجدية تتقنها تماماً، والعلامات التي كانت تظهر على وجهها حين يقترب موسم (البوظة) لا تسعها لغة ولا حروف، رحلت ميس بعد أن أخبرت قريباً لها أنها ذاهبة إلى المشفى ولن تعود إلى بيت أهلها (فقد اكتفت من العذاب والألم، وصار لازماً أن تريح أهلها من التعب) بالحرف، عاشت ميس برعاية كاملة من أهلها، تلك ربما هي المسألة الأساسية التي تنطبق على كل الكائنات الحية ومنها البشر، ومنها أصحاب الاحتياجات الخاصة، فعندما يتوافر أهل على استعداد لتحمل عبئاً ليس سهلاً قد يكون هناك أمل لأي صاحب احتياج خاص، أربطُ كوني هذا الشخص بأهلي، فالبيئة هي مفتاح تصعيد رغبات الإنسان العادي وغير العادي في رحلته إلى الحياة بإبداع أو حتى بعيش حياة نمطية، فالتفهم لهذه الحاجات وتلبيتها ينقل الكائن البشري من هيولى اللاتعيين إلى رحابة التشكل والهدف والوجود والحب، أحبت عائلة ميس هذه الطفلة التي قدمت مع إصابة في جهازها الحركي جعلتها غير قادرة على فعل أي شيء، وإنه فعلاً ﻷمر مرعب ألا تكون قادراً على أن تنتقل من غرفة الجلوس إلى الشرفة، فما بالنا بانتقال أبعد؟ تكلفت الأسرة تلك أن تعيش ميس تلك الانتقالات فكانت ضيفاً محبوباً على موائدهم ورحلاتهم كما على أيامهم، لقد كان الحب إحدى الطرق التي سلكوها طيلة هذه السنوات، هل كل من حولنا قادرون على منحنا الحب الذي نحتاج وقت الشدة؟ ربما لا، وربما نعم، ونخضع هنا لترتيبات لا يد لنا فيها، نتذكر هنا أن بيتهوفن كان الابن السابع عشر لعائلة فقيرة وأراد والده التخلص من الجنين مراراً وتكراراً، لكنه مع ذلك، بعد أن جاء وأصيب بالصمم منذ التاسعة، دفعه إلى عالم الموسيقى فكان هناك بيتهوفن وكان هناك السمفونية التاسعة وشخصٌ لا يسمع، كان يعزف أرباع الزمن كما لو كان يفتح عينيه، لا أحد محمي من الوصول إلى مرحلة الاحتياجات الخاصة، هذه نقطة مضافة هامة لنعي أن هناكآخرين مختلفين عنا قد يكون في دواخلهم قدرات لا متناهية، لقد أسس (نيك فويتشش) مؤسسة غير ربحية بعمر ال17 وهو الشخص الذي لا يملك قدمين ولا يدين، وتمكن ستيفن هوكنغ من قلب نظريات إينشتاين وهو الشخص الذي لا يتكلم ولا يسمع إلا باستخدام جهاز كومبيوتر، في سورية نجح مهندس أصيب بالتصلب اللويحي إثر حادث بفك أعقد معادلات التشفير البرمجية وهو اليوم مبرمج على مستوى العالم، يقول الحكيم المصري (أمنوبي) من حقبة 3500 عام قبل الميلاد: (لا تسخر من أعمى، ولا تهزأ من قزم، ولا تحتقر الرجل الأعرج، ولا تعبس في وجههم، فالخالق خلقهم وهو القادر أن يهدم ويبني كل يوم).
* بشرى رجب: لابدّ وأنه سؤال ضخم لم يسعني أن أجيب عليه تلقائياً دون تفكيرٍ أخذ مني وقتاً لا بأس به وجعلني أشعر بالأسى حيال الأشخاص الذين كانوا سيمرون من جانبي وأنا في مكان ما من هذه الأرض ونظرة الشفقة البغيضة تملأَ أعينهم، لو كنت شخصاً لا يستطيع المشي أو النظر أو الكلام أو كنت أمتلك مشاكل جسدية ونفسية معينة سيجعلني أخسر جزءاً معيناً لا أستطيع استخدامه مني وفقط ، هذا لن يعطي الآخرين حق أن يجعلوني أشعر بأن هذه المشكلة هي عبء عليَّ وليست ميزة، أجل ميزة ! كثيرون هم الأشخاص الذين نجدهم في مقاطع مصورة تحفيزية على الانترنت استغلوا مشكلتهم الجسدية، طوروا علاقتهم بأنفسهم وبنوا جسوراً للتواصل مع هذه المشكلة، وذهبوا باتجاه تدريبها وتطويرها لتصبح شيئاً يستحق الحديث عنه، ليصبح هؤلاء الذين تم وصفهم بالمعاقين مشاعل أملٍ لغيرهم من الناس الذين هم قد فقدوا الأمل، المعاق هو الشخص غير القادر على صنع أملٍ يحيا من أجله يوماً آخر، من لا يتغلب على نفسه ولا يستخدم قوة روح الإنسان التي هي روح من الله ، لو كنت معاقةً عن تحقيق حلم، أو عن إيجاد حلٍ لمعضلةٍ ما ستكون إعاقتي حقيقية، لو كنت معاقةً عن حب الآخرين بما استطعت من حبٍ أو تقبل أفكارٍ جديدة أو معاملة الناس بتمييز بين أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم تلك هي الإعاقة الحقيقة، أن أمتلك مشكلة ما في جسدي، يعني أن أمتلك حلاً ما في تفكيري، في عواطفي في طريقة تعاملي مع محيط أستطيع أن أثبت له بألف طريقة وطريقة وفي مطلع كل يوم أن الإعاقة هي إعاقة فكر لا جسد، ولا داعي أبداً للشعور بالشفقة!
* السيدة علا صافي: مجرد تفكيري ووضع نفسي مكان الشخص المعاق أدرك ماهية الصعوبات التي ممكن أن تواجهني كالمساواة في العمل وصعوبات الدراسة والانخراط بالمجتمع، ولكن أرجع لأدرك بلحظة أن الإنسان ليس بالمظاهر، فكل شيء زائل والإنسان ليس بيده وبرجله ولا بأي جزء من جسمه، ولكن الإنسان بإنسانيته وبقلبه وعقله، فالأشياء المعنوية تسيطر على شخصيتنا أكثر من الأشياء المادية كالجمال وسلامة الجسم وهنا أدرك أنني لن أستسلم لإعاقتي وأني سأكون قوية، لوكنت معوقاً سأحاول أن أستغل الشيء الصحيح بجسمي وأعمل على تقويته فالرب وهبني عقل وإرادة، وأستطيع أن أثبت جدارتي وسأجد المعنى بحياتي من خلال تفوقي بأمور معينة، مثلاً سأقوم بإنشاء جمعية مركز ترفيهي للمعاقين نقوم برحلات وجلسات سمر وجلسات تنفيس انفعالي نشتكي همومنا ومشاكلنا وندعم بعضنا، وستقام فيه ندوات تثقيفيه وحوارات مفيدة ودورات مهنيه تعليمية يستطيع الشخص من خلالها العمل، وسنقيم المعارض للموهوبين منا من رسامين وفنانين إلخ.. وسنستعين بأختصاصيين بعلم نفس ذوي الاحتياجات الخاصة وسأقوم بتقديم أمثلة من مشاهير معاقين تركوا بصمتهم عبر التاريخ ليكونوا قدوة لنا وللناس الأصحاء، فعميد الأدب العربي طه حسين كان أعمى وهيلين كيلر كانت عمياء صماء بكماء تعلمت الكتابة والنطق وعدة لغات ولها عدة كتب وقصص، وستكون نصيحتي لكل إخوتي المعوقين: لا تخجلون من إعاقتكم، بإرادتكم ستتخطون الحواجز، فالإعاقة ليست نهاية الحياة.
*المدرّسة فاتن قعقع: لا أريد أن يشفق عليّ أحد، وأن أتعامل كأي شخص طبيعي وأن أجد طريقاً لخلاصي من الإعاقة، وأن أنفتح على العالم الخارجي وأتواصل مع المجتمع كأي شخص.
* نادين أحمد: لو كنت معوقاً كنت أتمنى الكثير من الأشياء، أولها لا أحب أن يسألني أحد إن كنت أحتاج المساعدة أو لا، ولو كنت أحتاجها لطلبتها بنفسي، ثانياً نظرات المارّة بالشارع تصيبني بالاكتئاب، أنا شخص عادي نظرات الشفقة تحسسني بالنقص، ثالثاً لو كنت معوقاً لطالبت بحقي في التنقل بحرّية وراحة ودون مساعدة، كأن تكون لي أماكن مخصصة للعبور وللدخول والخروج إلى كافة المباني والأماكن كالمدارس والمؤسسات والأسواق والشوارع والباصات العامة
ولأردت أن تكون لدينا ثقافة تقبل الآخر، وأن تربوا أطفالكم على التعامل مع الشخص المختلف شكلاً ونوعاً على أنه إنسان أحبه لشخصه وسلوكه، وليس لشكله وعيوبه.
* حافظ عباس: الإعاقة من الأسباب التي تجعل الإنسان يؤمن بوجود الله، الإعاقة أن تخلق مكافحاً، لدي إحساس بكل جميل، ولديّ بصيرة لأن أشعر بكل ما حولي.
* هادي صقر: لابد لمجتمعي أن يتقبلني وعدم النظر إلي نظرة شفقة، وأن يقف بجانبي كشخص طبيعي، وتأمين المرافق العامة التي تعد من التحديات التعليم تراعي ذوي الاحتياجات الخاصة ليس فقط بالمفاضلة بل في تسهيل كل ما يخص النواحي التعليمية والثقافية والاجتماعية.
* باسل شعبان: لو كنت كذلك لم يكن تفكيري معوقاً أو شبه معاق على أقل تقدير، لان نسبة لابأس بهامن صحيحي الجسد، معاقون عقلياً. كنت عملت على أمور فيها تفكير عقلي، كتبت مسلسلات وقرأت كتباً واستغليت كل أوقاتي بالعمل الجاد.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار