الوحدة: 19-9-2022
أقام فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية الندوة السنوية لجمعية النقد الأدبي تحت عنوان:
” النقد الأدبي بين التنظير والتطبيق” شارك فيها مجموعة من الأساتذة والأدباء أعضاء اتحاد الكتاب العرب د. غسان غنيم, د. أحمد علي محمد, د. ياسين فاعور, د. غيثاء قادرة، وذلك في صالة الأنشطة بمقر الاتحاد.
أدار الجلسة د. محمد بصل رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب باللاذقية والذي رحبّ بداية بكل الضيوف القادمين من دمشق إلى اللاذقية لإحياء هذا اليوم الثقافي وهذه طبيعة العلماء والباحثين الذين يسافرون ويتنقلون وهدفهم إيصال الأفكار إلى أكبر عدد ممكن من الناس حيث قال:
نلتقي هذا الصباح مع وجوه نيّرة ونفوس خيّرة ومثقفين أجلاء لمناقشة قضايا هامة تتعلق بالموضوع المعرفي بكنز ثقافي, بحالة إبداعية تنتج فكراً وتطور عقلاً وتثمر لغة موضوعية …
إنها قضايا النقد الأدبي الذي يهم كافة شرائح المجتمع وليس حكراً على المنابر الثقافية، وسيتم الحديث عن النقد الأدبي العربي والتيارات النقدية المتباينة والنقاد العرب القدامى وما خلفوه من آثار وراءهم في كتبهم القديمة وكذلك العلماء الغربيين المتعددين…
” الوحدة حضرت هذا النشاط الثقافي الهام الذي تميز بتنوع وأهمية محاوره، حيث أشار د. غسان غنيم في المحور الأول إلى مشكلات النقد وآلياته حيث قال بهذا الخصوص:
النقد نوع مميز من الخطاب ينصّب على الإبداع في محاولة منه لمعرفة القوانين التي تحكم الإبداع وتجعله على ما هو عليه, و لاستنباط الدلالات الكامنة في مستويات مختلفة فهو خطاب ينصّب على خطاب آخر مختلف وله طبيعة تتمايز من طبيعة النقد..
ويحاول النقد تشريح الظاهرة ليقدمها بتركيب جديد معلناً عن مدى اقترابها من المثال المفترض في عقل الناقد الذي يتوافق مع العقل الإنساني بحكم التكوين الخاص لعقلية الناقد الذي يحتوي في حالته المثالية جل ما أنتجته البشرية من فكر وثقافة وعلم ممّا يشكل مرجعية للإبداع والفن والأدب بشكل عام.
إن النقد العربي الحديث الذي يؤرخ له منذ عشرينات القرن العشرين قد أعلن نوعاً من القطعية مع آليات النقد العربي القديم وأساليبه المعتمدة على النقد اللغوي والبلاغي وقد ابتدأت هذه القطيعة على كتاب “الديوان” للعقاد والمازني, ثم مع كتاب ” في الشعر الجاهلي” لطه حسين “والغربال” لميخائيل نعيمة حيث اتجه نحو المناهج النقدية الحديثة آنذاك.
وقد حاول النقد العربي آنذاك أن يرسي قواعد متينة له على أساس يقوم في جوهره على الانفتاح على الغرب, مصدراً للمعرفة و للتنظير الأدبي، فالتنظير النقدي عريق حضوره في الحضارة الغربية ويمكن أن يعود إلى أيام اليونانيين القدماء.
كما توقف د. غنيم عند مسألة المناهج النقدية الحديثة وهي لاشك أدوات إجرائية مهمة في التعامل مع النصوص الأدبية لكن يجب ألا ننسى أبداً أن هذه النظريات والمناهج والأسس بنت سياق فلسفي وحضاري ومعرفي لا ينفصم عن سياق حياة منتجيها وعن نسقهم المعرفي والحضاري واستيراد مثل هذه النظريات لتطبيقها تطبيقاً تاماً على إنتاجنا الأدبي قد لا يتوافق مع السياق المعرفي والحضاري والتاريخي لدينا…
وفي المحور الثاني من الندوة أشار د. أحمد علي محمد إلى أدب الناشئة مؤكداً أن من يكتب للناشئة ينبغي أن يتمثل إما الكبار يكتبون للناشئة أو الناشئة يكتبون لأنفسهم والأهم طبعاً هو ما يكتب الكبار للناشئة…
ولا يوجد حتى الآن كتّاب متخصصون لهذه الشريحة، وأضاف د. محمد إن الكتابة للناشئة صعبة تحتاج إلى كاتب تخصصي لأن الكاتب يخاطب العقول العلمية اتصالات واختراعات فإن لم يكن الكاتب مزوداً بالمعرفة يبقى الناتج الأدبي صفراً.
ولأن الناشئ لديه ميل للاختراع والعلم فأدب الخيال العلمي يحوز الدرجة الأولى في المجتمعات المتقدمة بينما الأدب عندنا لا يلبي الرغبة عند الناشئ وهنا تتضح المسؤولية الكبرى على الأدباء في هذا المجال..
وقد تحدث د. ياسين فاعور في المحور الثالث عن القصة القصيرة في محافظة اللاذقية، علامات ومواقف، حيث قال بهذا السياق: دراسة متواضعة تتسع لست عشرة مجموعة قصصية لست مبدعات, ولعشرة مبدعين ما بين 1995, وأحدثها مجموعة ” رسالة عارف الملتوف” للقاص زكريا شريقي 1995 وأحدثها مجموعة “يباس يفتقد المطر” للقاص شادي قيس نصير ومجموعة ” المسلوسون ” للقاص أسامة الفروي وصدرت كل منهما عام 2008 والمجموعات القصصية تلتقي في طبعتها الأولى, وكان لي شرف دراستها ونشرت أربع عشرة دراسة منها وأرجو أن أوفق في نشر الدراسات الأخرى في مستقبل الأيام واشتملت المجموعات القصصية على مئتين وإحدى وسبعين قصة قصيرة وتسعين قصة قصيرة جداً وقد تمحورت موضوعات قصص المجموعات حول الإنسان في علاقاته مع نفسه ومع الآخرين وصراع هذا الإنسان من أجل تحقيق ذاته ووجوده ومعاناة الإنسان العربي وصعوبات الحياة ويبدو ذلك جلياً في قصص المجموعات جميعها بأشكال متعددة وبأساليب متنوعة، وأضاف:
قصص المجموعات تصف الواقع بكل ما فيه من آلام ومصاعب وشقاء وتلعب الذاكرة دوراً إيجابياً في مدّ القاص بصور تمتد من الماضي إلى الحاضر ” الفلاش باك” ويبدو ذلك في قصص مجموعة ” سهرة على صديق” للقاصة أمينة البارودي ومجموعة ” نهاية الدروب المغلقة” للقاص صالح سميا ومجموعة “قبر العبد” للقاص سمير عامودي ومجموعة ” يباس يفتقر المطر” للقاص شادي قيس نصير التي تعود بالذاكرة إلى تاريخ هذه المدينة وتذكرنا بالإله بعل وآلهة أوغاريت وتطوف شاطئ البحر بصخوره ورماله وأصدافه، ومجموعة ” تفاصيل أخرى للعشق” للقاصة أنيسة عبود التي امتدت أحداث قصصها على مساحة الشاطئ والسهل والجبل بأشجاره وأزهاره ونسائمه ومزروعاته وحياة أهل هذه البيئة ربطاً بين الماضي والحاضر…
وفي المحور الأخير تحدثت د. غيثاء قادرة عن مفهوم النقد تحت عنوان:
“من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي.. قراءة في شعر أديب كمال الدين” مشيرة في بداية حديثها إلى النقد الأدبي فهو مجموعة من العمليات العقلية والتأمل العميق للعمل الأدبي في ضوء أجناسه الأدبية وتطورها بهدف تقويم هذا العمل تقويماً صادراً عن مجموعة من البنى الفكرية والقوانين الجامعة التي تحدد نقطة الاتصال بين الناس حول آرائهم عن المعارف الجمالية واللغوية.
وتحدثت عن مفهوم النقد في العصر الجاهلي وفي صدر الإسلام وفي العصر الأموي، كما أضافت د. قادرة عن مفهوم النقد الثقافي قائلةً: ظهر النقد الثقافي في الغرب كردة فعل على النظريات الجديدة البنيوية و السيميائية والتأويلية وفوضى التفكيك، وتتأتى أهمية النقد الثقافي من رؤية النص حادثة ثقافية تشي بالبعد الثقافي والبنية الاجتماعية التي كونت خطاب الشاعر ونمط حياته، وينصرف إلى الحضور في بنية النص للوقوف على أشكال التوظيف والاستخدام اللغوي وللنقد الثقافي قدرة على استكشاف آفاق أخرى تتعدى القيم الجمالية والبلاغية لتنظر إلى النص من حيث هو فاعلية تنطوي على نسق مضمر ويحاول هذا النقد أن يفكك النصوص مبرزاً أنساقها وولادتها المضمرة والمختبئة داخل النص، والنقد الثقافي يسعى بناء على مركزياته الفكرية وطروحاته الايديولوجية إلى مساءلة البنى النصية بوصفها حوادث ثقافية ومن ثم اكتناه أبعادها ومضمراتها النسقية التي تبدو هي الأخرى على وشيجة تامة بالسياقات الثقافية والظروف التاريخية التي أنتجتها.
ندى كمال سلوم