الوحدة:18-9-2022
يستطيع المرء أن يتجول في الأماكن المتاخمة للحلم ، حيناً لينسى تلك الضغوطات التي تحتل لحظات يومه، وتعمل على سلبه القوة المطلوبة لمتابعة العطاء على صعيد الحياة كافة، باحثاً عن حلول حقيقية للتخلص من متاهات الكسل والانحطاط البدني المقيت !!
وقد كانت الكتابة فوق سطح الورقة البيضاء، تشكل وسيلة ساحرة للخروج من بعض حالات الضياع والتشرد بين بيادر الصمت على امتداد النظر. فانسكاب الحروف على الورق قوة خفية تسهم في تفريغ شحنات الحزن أو الغضب أو تجسيد المشاعر والأحاسيس الغافية بعمق في أماكن خفية في الأدمغة، حتى إن الكتابة اليدوية كانت ولا تزال وسيلة من وسائل العلاج للعديد من المشكلات النفسية !!
لكن روعة الإحساس بالكتابة والاستمتاع بخط اليد بدأ يخبو في السنوات الأخيرة لدى الأجيال الجديدة بعد اجتياح ثورات الكمبيوتر المتتالية عالمنا وهيمنة لوحة مفاتيح الجهاز على تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، حتى أبناء الأجيال الأكبر عمراً خضعوا لتلك الهيمنة واستبدلوا بالأقلام والأوراق لوحات المفاتيح الجامدة الثابتة أمامهم، لتكون ” تكتكتها ” ذات الإيقاع الواحد هي الموسيقا الوحيدة في أجواء المكان، والتي تحيد موسيقا الروح النائمة وتضعها في زوايا النسيان لذلك فإن هناك طلاباً أكثر فأكثر يجاهدون للتمكن من قراءة خط اليد عدا ما سمعناه من أحاديث عدد من الأمهات تدور حول معاناتهن مع أولادهن في إنجاز بعض فروضهم المدرسية، لكونهم لا يتقنون الكتابة بخط اليد جيداً ومنهم من يكتب العربية من اليسار إلى اليمين كما تكتب اللغة الانكليزية، بينما يكتبون على جهاز الكمبيوتر بشكل طبيعي.
إن موت خط اليد سيؤدي إلى اختفاء الدقة في البحوث التاريخية، وآخرون يندبون ضياع التواصل عبر كتابة اليد لجماليتها وفرديتها وحميميتها.
من هنا لا بد من التوقف والتفكير ملياً بهذه الأزمة الجديدة ، والسعي بشكل جاد إلى تخصيص أوقات عملية وحقيقية لتعليم الكتابة بخط اليد وتكريس أهمية ممارستها يومياً. فليس من المعقول أن يأتي وقت يصبح فيه الشاب الجامعي مثلاً لا يعرف كيف يكتب اسمه من دون لوحة كمبيوتر ، ناهيك عن الخسائر النفسية والعملية الكبيرة التي ستجنيها الأجيال التي لا تعرف الكتابة ، وأن ترتكن إلى الطباعة… والطباعة فقط.
لمي معروف