الوحدة 15-9-2022
الرسائل نصوص أدبية وفكرية على غاية من الأهمية تفتح صندوق الأسرار لتفرح عما مسكوت عنه بأقصى حالات الجرأة والمكاشفة، والعلنية وهي من أقدم وسائل الاتصال بين البشر، ورسائل الأدباء تحظى بأهمية قراءة تأويلاتهم ونظرتهم للحياة والأحداث وبعضها مفعم بالشوق والحنين، وهي أوراق متفرقة تفيض بالمشاعر الزاخرة وبعض ودائع العمر وساع أمين في نقل العوالم الداخلية وإفشاء الأسرار التي تعتمل في الأحشاء، ورسائل المبدعين الذين شغلوا الناس بأدبهم وسيرتهم تكشف هواجسهم وهمومهم وصفحات من حياتهم المجهولة، وهي لون أدبي شبه مفقود في وطننا العربي وقد ظهرت بعض الرسائل منها رسائل أنور المعداوي لفدوى طوقان ورسائل جبران خليل جبران لمي زيادة ورسائل خليل حاوي لديزي الأمير ورسائل غسان كنفاني لغادة السمان ورسائل غادة اليوسف للناقد الفلسطيني يوسف سامي اليوسف،وغيرهم… رسائل الكاتب السوداوي صاموئيل بيكيت تكشف صفحات قاتمة من حياته التي ظلت مجهولة لسنوات طويلة ويكشف فيها كيف فكر في الهروب من حياة الكتابة ليصبح طياراً أو مخرج أفلام لينتهي به الحال في محترفه الكتابي. رسائل الأدباء قيمة مضافة إلى رصيدهم الإبداعي وتعبر تعبيراً صادقاً عن أحاسيس تختلج في ضمير كاتبها، الإنسان يكتب في رسائله أشواقه وأحاسيسه وحنينه إلى من اصطفاه بوده وائتمنه على أسراره يشعر وكأنه يكتب إلى نفسه وخاصة الرسائل الوجدانية والعلاقات العاطفية المتبادلة بين أديب وأديبة تنسال كلماتها من قلم مرسلها بصورة عفوية وكثيراً ما يبوح بأشياء قد لا يبوح بها إذا علم أنها ستذاع وتنشر وتظهر إلى العلن وتطفو على السطح ولو توقع أن أحداً غير الذي كتبت إليه سيطلع عليها لآثر أن تظل حبيسة في صدره.. رسائل اللورد البريطاني المتمرد بايرون الذي عاش حياة اللا انضباط وأطلق العنان لحياة اللهو والمجون والحب، في رحلته إلى اليونان أقام عند الأرملة ماكري التي كان لديها ثلاث بنات أصغرهن تيريزا ابنة الـ 12 عاماً التي كتب لها أجمل الأشعار : ( يا حياة حياتي – إني أحبك – يا عذراء أثينا – هل سنفترق – أعيدي لي قلبي). الحب يترك بصماته على نتاج الأدباء والمفكرين والرسالة تنقل مفردات العذاب الروحي للرجل والأنثى تصور حياة تعاش وتحس وتنزف واللقاءات الحميمية تحت زخ أمطار العشق والهوى وتظهر ما يحب وما يكره من الناس والأشياء والعلاقات الإنسانية الدافئة واليأس والإحباط الساكن في القلب… كوليت خوري تشابكت حياتها مع حياة أعلام الأدب في سورية ولبنان (سعيد عقل – بدوي الجبل – نزار قباني – سليمان العيسى الذي قال عنها: (إعجاز البلاغة وثراء المعنى) سكن سعيد عقل فؤادها منذ لقائهما الأول في منزل جدها فارس الخوري في أواسط خمسينيات القرن الماضي قالت عن علاقتها معه: (أنا لست حبيبة سعيد عقل الأولى ولا الأخيرة، أنا الخلفية الأنثوية لكل حب عاشه سعيد عقل في حياته). الأديب بشر ويمارس جميع مناحي الحياة بشكل طبيعي والمرأة نسيج اجتماعي راق تتميز بحساسيتها العاطفية والروحية، مي زيادة كانت امرأة آسرة الجمال ومن رواد الحركة النسائية العربية حفلت حياتها بالعشاق والمعجبين وكانت تصبو للعيش في صميم الحياة ولم ترضَ بالعيش على الهامش واجتازت شهرتها حدود مصر والعالم العربي وبلغت حدود الهند والولايات المتحدة الأمريكية ووقع في غرامها شاعر الهند الكبير طاغور وأهداها إحدى قصائده التي تحمل عنوان (طائر الصباح) وكانت أهم امرأة في حياة جبران خليل جبران الذي وقع في غرامها وأحبها وأحبته عبر الأثير مع أنهما لم يلتقيا شخصياً مطلقاً وتبادلا الرسائل الغرامية التي تغص باللوعة والحب والشوق والحنين وأحبها وراسلها الشاعر العراقي كاظم الدجيلي، والأديب المصري عباس محمود العقاد الذي كان يتمنى لرسائله لها (لا يهم أن تطلع الرسائل إلى عالم النور) ويقترح : (لا موئل لها أكرم من التمزيق أو نار الحريق). غادة السمان واحدة من أهم الروائيات العربيات أشعلت الشارع الثقافي وأحدثت نقاشاً كبيراً وحراكاً فكرياً واجتماعياً على مستوى جميع شرائح المجتمع حين نشرت رسائل الحب التي أرسلها لها الكاتب الفلسطيني المناضل غسان كنفاني الذي جمع الحب بينهما والأوقات السعيدة التي قضوها معاً في بيروت، حب توطد بينهما في فترة قصيرة بدا كالقدر الذي لا فكاك منه وبدا مجهضاً لا أمل فيه أوجع غسان كنفاني إلى الأبد كونه جاء بعد زواجه من امرأة ثانية، وقد رأت السمان أن نشر الرسائل وخروجها من الخاص إلى العلن أمانة في عنقها وأصبحت وثائق أدبية من حق المجتمع الاطلاع عليها.
نعمان إبراهيم حميشة