كلام أغلى من الذهب

الوحدة 29-8-2022

نتغنى دائماً بقلة الكلام ، ونضرب لها الأمثال فواحدة من دلالات التهذيب هي ، وواحدة من شيم الآداب الاجتماعية أيضاً، ودليل على هدوء الطباع والاحترام.. نبيعه بالرخيص أمام الصمت ، كما يقول المثل (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب). والفضة معدن ثمين، إنما ليس بالمقارنة مع المعادن والأحجار الكريمة اللامعة والباهظة الثمن. لكن هل كل الكلام بالرخص نفسه؟ وهل كل أنواع الصمت باهظ وثمين؟ فلنبحث قليلاً في دواخلنا وذواتنا، ولنستدر قليلاً إلى ذاكرتنا القريبة والبعيدة العائدة حتى إلى سنواتنا الأولى، ولنعر سمعنا إلى بعض الخفقات والتنهدات الآتية فجأة إلينا ، فأي كلام تخبئ ؟ قد يبدأ بكلام مع أحد الوالدين ، أو الاثنين معاً عن عشرات الأسئلة التي لم يجب عنها، أو القوانين التي فرضت على العائلة بدكتاتورية، أو ربما عن نزهات ولقاءات وعلاقات منعت،وتم تخويف الصغار منها، من دون تفسير السبب ، أو عن عواطف لم تظهر حين كانت ضرورية وقد تصل إلى حد الخلل في العلاقة الذي لم يواجه يوماً ، ولم يتنبه مع مرور الأيام إلى تراكمه بين الأهل والابن والابنة وبقي عالقاً يحتاج إلى البوح ، إلى الانفجار ، يريد أن يمضي إلى الأبد ، لكن حاجته إلى السؤال عن السبب والمواجهة مرة واحدة يسجنه في مكانه حاجزاً بين الاثنين، وقد يذهب الكلام العالق إلى صداقة حميمة عميقة كبيرة بعدت وبردت إلى أن تلاشت تماماً تاركة فراغاً ينكره الصديقان، ويقنعان نفسيهما بأن القصة انتهت مع مرور السنين ، وتغير الزمن ، ويتغاضيان أيضاً عن صدى ذلك الفراغ في الداخل، والشعور بتجويف مؤلم ولو صغير ، فقط لأن أحداً منهما لم يحاول أن ينزع ذلك الفتيل العالق بينهما، وسيصل الكلام حكماً إلى الآخر ، إلى حب مضى بألم، إلى لحظات أشبه بنوبات المرض ، أو نوبات الإدمان في مراحل العلاج الصعب، يدور في الرأس هذيانها ، عن عواطف يجب أن تقمع، وشوق يجب أن يوضع له حد، وأسئلة قد تكون إجاباتها أبسط من البساطة ، وتحتاج إلى بضع دقائق، لكنها لا تأتي أبداً ، فينتهي الإدمان ويبقى الأثر ، والأنكى أنه متى عاد الآخر ، وكأن شيئاً لم يكن فيتضاعف الآثر ! وبين كل ذلك كلام كثير في حالات أخرى لا يقال أيضاً،فهل يستحق السكوت ثمنه في حالات كهذه؟ مؤكداً أنه يبقى باهظاً ، وباهظاً جداً ، وهل يستحق كل تلك الندبات التي تبقى في عيوننا وعقولنا وقلوبنا وشرايينا. فالفرق كبير بين كلام للثرثرة ، وما أكثره دائماً وكلام للعلاج علاج الروح ، وهي أجمل مافينا وأرقاه وأثمنه حتى لو أتى ببضع كلمات ، أي لو ( قل ودل ) فإنه ينزع ألغاماً من نفوسنا ، نعيش سنوات وسنوات ونحن نحاول منع انفجارها وننجح أحياناً ، لكنها تغدرنا أحياناً أخرى، فتنفجر بأشكال مختلفة في شخصيتنا وقراراتنا ومستقبلنا، فهل يبقى الكلام على بخس ثمنه في أوقات كهذه؟.

لمي معروف

 

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار