الوحدة : 26-8-2022
ليس أكثر من شر استطار بنا وأصاب فينا الجسد والفؤاد غير السرافيس والمواصلات، فكل يوم نصحو على كابوس المواصلات والانتظار لساعات على المفارق والطرقات وفي نهاية الدوام نغفو في الكراج، نحن الذين سكنّا القرى وتركنا المدينة بطوابقها وأبنيتها التي تطبق على أنفاسنا وصدورنا، لكننا أصحاب وظيفة وأعمال لا تصرّف بغير التواجد في المدينة، وقد عملنا لأجل الحصول عليها وصرفنا العمر بسنوات، وقد ذقنا الويلات وشر المسابقات وبلاء التوصيات ودفعنا ما في الحسبان بعد أن نلنا المراتب والشهادات فهل نتركها لأجل مغبة الطريق والانتظار الطويل صيفاً وشتاءً؟.. ناهيك عن الأجور المرتفعة لأجل الوقود لتعود في آخر النهار مرهقاً خامد الأنفاس ولا تطيق صبراً على الزوجة والأولاد لترفع الصوت وتقسم علناً بالطلاق، ليس للزوجة بل للوظيفة والسرافيس.
في الكراج وأول أيام الأسبوع يكون الناس مجتمعين ومكوّمين على الأرصفة ذات اليمين والشمال وما إن يأتي سرفيس على أي خط كان وقبل دخوله مساره يكون الناس قد انكبوا عليه وتدافعوا وانحشروا على بابه الذي غص بهم ليبتلعهم دفعة واحدة على أربعة وخمسة في المقعد وينكب ما فاض منهم على الرصيف مما يردهم للخلف والعودة للمراوحة في أماكنهم لسرفيس قادم من جديد، فتسمع الأنات والصرخات وهم ينطقون بلسان حالهم بما يفكرون: (بدي استقيل وارتاح.. تعبت)…
– كل يوم على هذه الحال وما تغيرت يوماً معاناة حقيقية نعيشها وتنغص علينا عيشنا متى سنرتاح.. سأبيع بيتي وأرضي في القرية واشتري بيتاً في المدينة ولو كان غرفة ومنافعها ولا أريد لأولادي أن يعانوا من المواصلات فبعد سنة أو سنتين يغدون في الجامعة وأنا أعاني منذ عشر سنوات من المواصلات وزوجتي (تنق) أن أشتري بيتاً في المدينة.
– أنا أريد أن أستأجر بالمدينة أفضل من رحلة المعاناة كل يوم حيث يفنى نهارنا لأجل الوصول للدوام ومتأخرين كما قد أفنينا العمر فيها ونعود في آخر النهار مرهقين، ننفق أكثر من نصف الراتب وما يزيد على الأجور فلماذا كل هذا التعب لو كنا نفلح ونقلب الأرض ليأتي أسفلها في أعلاها و ١٠ دونمات لسنا متعبين كما انتظارنا في الكراج!
– والله كل شيء في الحياة من أوجاع في كفة وانتظار السرفيس في كفة أخرى ، بسبب المواصلات كرهت عيشتي ووظيفتي ولعنت الساعة التي توظفت فيها، عندي أرضي وبيتي ورثتهم من أبي لكني كنت قد تخرجت من الجامعة وتزوجت التي أحببتها حيث لم يوافق والدها على تزويجها لي قبل أن أتوظف واليوم يهدر صوتها أن أترك الوظيفة لظنها أن تأخري ليس فيه خيراً و هناك زوجة ثانية ولا تصدقني بأنه تأخير في المواصلات ” الله يجيرنا شر الاثنين….”.
هدى سلوم