الوحدة : 25-8-2022
يُمكن للمرء التمييز بين مفهومي الراحة و المُتعة بقليل من التدقيق، و كثير من البحث.
فالراحة بمعناها هي ذلك الشعور الذي ينتاب الإنسان لدى القضاء على الألم أو كتناول وجبة طعام بعد جوع قاسٍ أو الاسترخاء بعد مجهود شاق عضلي أو فكري أو حتى الدخول لمكان مُعتدل الحرارة، بعد قضاء وقت طويل في أجواء شديدة الحرارة أو البرودة و ربما أيضاً لدى تناول أدوية مسكنة، أو ربما كالشعور الذي يتولد في أعماق الإنسان عند القضاء على السأم بالوصول إلى نهاية رحلة طويلة و مضنية أو بانتهاء حديث شخص ثرثار ثقيل الظل.
أما بالنسبة للمُتعة فهي شيء مختلف تماماً، فالفارق بينها و بين الراحة كالفارق بين شكل الصورة الثابتة و الفيلم السينمائي المتحرك فإذا كانت الراحة هي ما يشعر به الإنسان عند وصوله لعتبة النشوة بمستواها الأمثل، فإن المُتعة هي ما يستمتع به الإنسان أثناء عملية الانتقال لبلوغ درجة هذا المستوى و يُشبه البعض الفارق بين الراحة و المتعة بالفارق بين مفهوم السرعة بحد ذاته و بين الانتقال من سرعة إلى أخرى، ويمكن القول: إن الشعور بالراحة من عدمه يتعلق بدرجة تهيج العاطفة ( الشبيهة بالسرعة ) وأما المُتعة فتتعلق بتغير درجة هذا التهيج العاطفي،( و هذا ما يُشبه بزيادة السرعة أو تخفيضها ) .
لسهولة فهم الفارق بين الراحة و المتعة بشكل سلس و بسيط فيجب أولاً فهم معنى فكرة أساسية تتعلق بتهيج الشعور أو العاطفة تماماً كالذي يُحس به المرء لدى شعوره بالتعب و الإرهاق أو بالحرارة و البرودة أو بالدهشة و الاستغراب و غيرها، مع عدم إغفال فكرة مهمة و هي أن نسبة الألم نتيجة زيادة درجة الإثارة أو نقصانها عن حد معين يؤدي إلى نشوء حالة عنوانها اليأس و السأم و الملل، و من المُمكن للإنسان تحقيق مستويات عالية و مستمرة من الراحة دون الشعور بالبهجة فالمتعة التي يحصل عليها العالم في مختبره أو الباحث في ميدان بحثه أو الأديب الذي يكتب روايته أو حتى الإعلامي الذي يُسطر زاويته ليست إلا نتاج التوتر و الإثارة، و لعل كافة وسائل التسلية و ألعاب الملاهي التي يرتادها الصغار و حتى الكبار تُعد مجموعة من صور المحاولات لخلق المُتعة و إشعال جذوتها عن طريق الخلق المُتعمد للتوتر و الخوف، وإذا كان الأمر كذلك في ظل ما سبق ذكره، فإن المرء أو حتى المجتمع قد يُخطىء فعلاً إذا حاول تجنب شتى ألوان و أشكال التوتر المتنوعة سعياً وراء تحقيق هدف الراحة في رحاب مجتمعات الرخاء.
تُشير العديد من الدلائل بوضوح و دقة إلى أن الراحة و المتعة هما نوعان مُتميزان من الشعور ، و هنا يتلألأ التأمل الذاتي الذي يدل بدقة على أنه حين يصف المرء نفسه بأنه يشعر بالراحة أو الارتياح فإنما يعني بهذا شيئاً مختلفاً عما يعنيه عندما يُبين بأنه يشعر بالسعادة أو حتى المتعة و إضافة لذلك أيضاً فإن التأمل الذاتي له دلالة واضحة جداً على أنه يمكن للإنسان الشعور بالألم و عدم الارتياح و بالسعادة أو المتعة في نفس الوقت،
و يُؤيد ذلك ما يتم ملاحظته من أن الشعور بالمتعة هو في العادة أقصر عمراً من زمن الإحساس بالراحة ، و يتجلى الشعور بالمتعة في أثناء الوصول لهدف معين أو غاية محددة و ليس عند تحقيق ذلك بالفعل ، و يجدر السؤال هنا بأنه إذا كانت شتى وسائل الراحة لا تزيد بالفعل من متعة الناس بالحياة فما الذي يمنعهم من الاستغناء عنها إذا قرروا .. و ربما يكون الجواب المُناسب بأن النفع الذي يعود على المرء من استخدام شتى وسائل الراحة لدرجة الاستمتاع الإيجابي بالحياة هو آني و مباشر و لا يتم إدراك حجم الخسائر الناجمة عن الإمعان في الاستخدام إلا بعد حين مما يُفقد المرء العاقل عندها من مختلف صور النشاط البدني و العقلي الذي يُشكل مصدراً حقيقياً للبهجة و المتعة.
د. بشار عيسى